مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله تعالى : " والقاتل فإن قتل بطل الرهن " .  
قال  الماوردي      : أما  العبد القاتل   فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يكون قاتل خطأ يلزمه المال ، وسيأتي الكلام في جواز رهنه .  
والضرب الثاني : أن يكون قاتل عمد يلزمه القود ، فقد اختلف قول  الشافعي   في قتل العمد ، ما الذي يوجب .  
 [ ص: 85 ] فأحد القولين أنه يوجب القود وحده فأما الدية فإنما تجب باختيار الولي ، فعلى هذا يجوز رهنه كما يجوز رهن المرتد : لأن القاتل يتردد بين الاقتصاص منه والعفو عنه كالمرتد يتردد بين قتله بالردة ، وسلامته بالتوبة .  
والقول الثاني : أن قتل العمد يوجب أحد أمرين : إما القود وإما الدية فعلى هذا في جواز رهنه قولان :  
أحدهما : لا يجوز رهنه كالقاتل الخطأ ، والقول الثاني : يجوز رهنه : لأنه قد يجوز العفو عنه فأما بيعه فقد مضى في كتاب البيوع .  
فصل : فإذا ثبت هذا فإن قلنا إن رهنه جائز فلا يخلو حال المرتهن من أحد أمرين : إما أن يكون عالما بجنايته أو غير عالم .  
فإن كان عالما بجنايته فلا خيار له في الحال : لأن الجناية عيب إذا علم بها لم يكن له خيار فيها ثم ينظر ما يكون من أمر المجني عليه في الثاني فلا يخلو من ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن يقتص منه .  
والحالة الثانية : أن يعفو عنه إلى مال .  
والحالة الثالثة : أن يعفو عنه إلى غير مال .  
فإن اقتص منه فلا يخلو حال القصاص من أحد أمرين :  
إما أن يكون في طرف من أطرافه ، أو في نفسه ، فإن كان القصاص في طرف من أطرافه كيده أو رجله كان رهنا بحاله ولا خيار للمرتهن في البيع لعلمه بجنايته .  
وإن كان القصاص في نفسه فعلى قول  أبي إسحاق   له الخيار في فسخ البيع كالمستحق ، وعلى قول  أبي علي   لا خيار له في البيع لأنه عيب كان عالما به فهذا حكم القصاص .  
وإن عفا عنه إلى مال فلا يخلو حال سيده من أحد أمرين :  
إما أن يفديه من ماله ، أو لا يفديه .  
فإن فداه من ماله ودفع أرش جنايته من عنده فهو رهن بحاله ، ولا خيار للمرتهن في البيع .  
وإن لم يفده السيد ولا غيره وبيع في الجناية فقد بطل الرهن .  
وعلى قول  أبي إسحاق   للمرتهن الخيار في فسخ البيع كالمستحق ، وعلى قول  أبي علي   لا خيار له لأنه عيب علم به فهذا حكم العفو إلى مال ، وإن عفا عنه إلى غير مال فقد      [ ص: 86 ] سقط حكم الجناية واستقر رهنه ، ولا خيار في البيع بحال ، فهذا حكم الجناية إذا كان المرتهن عالما بها .  
فصل : فأما إذا كان المرتهن غير عالم بجنايته فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يعلم بها قبل استقرار حكمها ، فإذا علم بها كان بالخيار بين فسخ البيع وإمضائه ، فإن فسخ البيع كان له ، لأن الجناية عيب لم يعلم به ورده ممكن ، فإن أقام صار كالمرتهن عالما بجنايته ، فيكون على ما مضى من اعتبار أحوال المجني عليه في الأحوال الثلاثة من اقتصاصه أو عفوه على مال أو عفوه إلى غير مال . . ثم الحكم في كل واحد منها على ما مضى .  
والضرب الثاني : ألا يعلم المرتهن بجنايته إلا بعد استقرار حكمها فهذا على ثلاثة أضرب :  
أحدها : أن يستقر حكمها على القصاص منه .  
والثاني : أن يستقر حكمها على العفو عنه إلى مال .  
والثالث : أن يستقر حكمها على العفو عنه إلى غير مال ، فإن استقر حكمها على الاقتصاص منه على ضربين :  
أحدهما : أن يكون القصاص في طرفه ، فلا يبطل رهنه بالقصاص لبقائه فيه لكن المرتهن بالخيار في فسخ البيع وإمضائه لإمكان رده وعدم العلم به .  
والضرب الثاني : أن يكون القصاص في نفسه ، فقد بطل الرهن ، وعلى قول  أبي إسحاق   له الخيار وإن فات رده كالمستحق وعلى قول  أبي علي   لا خيار له لفوات رده كالعيب .  
وإن استقر حكمها على العفو عنه إلى مال فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يفديه السيد ، فيكون حكمه كحكم العفو عنه إلى غير مال على ما نذكره .  
والضرب الثاني : ألا يفديه السيد ، ويباع في جنايته فقد بطل الرهن ، وعلى قول  أبي إسحاق   للمرتهن الخيار في فسخ البيع كالمستحق ، وعلى قول  أبي علي   لا خيار له في فسخ البيع لفوات رده كالمعيب .  
فإن استقر حكمها على العفو عنه إلى غير مال فقد سقط حكم الجناية ثم ينظر في العبد الجاني ، فإن لم يتب من جنايته وكان مصرا على حاله ، فهذا عيب وللمرتهن الخيار في      [ ص: 87 ] فسخ البيع وإمضائه ، فإن تاب العبد من جنايته وانتهى من العود إلى مثلها ، فهل ذلك عيب في الحال أم لا ، على وجهين مضيا في البيوع .  
وما ذكرناه في توبة المرتد من الوجهين مبني على ما مضى من الوجهين :  
أحدهما : أنه عيب ، فعلى هذا له الخيار في فسخ البيع وإمضائه .  
والوجه الثاني : أنه ليس بعيب في الحال ، فعلى هذا هل له الخيار في فسخ البيع أم لا ، على وجهين :  
أحدهما : له الخيار اعتبارا بوجوبه في الابتداء .  
والوجه الثاني : لا خيار له اعتبارا بسقوطه في الانتهاء .  
فصل : فأما  رهن العبد إذا كان قاتلا في الحرابة ،   فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يرهن قبل القدرة عليه ، فهذا في حكم الفاعل في غير الحرابة لجواز العفو عنه ، فيكون الحكم في رهنه على ما مضى .  
والضرب الثاني : أن يرهنه بعد القدرة عليه ، ففي جواز رهنه وجهان :  
أحدهما : يجوز لأن قتله في الحرابة لا يخرجه من ملك سيده كالمرتد .  
والثاني : أن رهنه لا يجوز : لأن قتله محتوم لا يجوز العفو عنه ، فكان أسوأ حالا من المرتد الذي قد يتوب فيعفى عنه .  
فصل : فأما إذا أخذ مالا في الحرابة ، أو سرق في غير الحرابة فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون المال موجودا معه ، فينزع من يده فرهن هذا جائز : لأنه لم يتعلق برقبته غرم ، ووجوب قطعه لا يمنع من رهنه .  
فإن كان المرتهن عالما به فلا خيار له ، وإن لم يكن عالما به فهو بالخيار في فسخ البيع وإمضائه ، سواء علم به قبل قطعه ، أو لم يعلم به إلا بعد قطعه لأنه قد يمكن رده بعد القطع .  
والضرب الثاني : أن يكون المال قد تلف من يده فالحكم في رهنه كالحكم في رهن الجاني خطأ على ما نذكره لتعلق الغرم برقبته .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					