النظر الثالث : في التراحم في الحيطان والسقوف وغيرها ودفع الضرر في ذلك : وفي الكتاب إذا أرسل في أرضه نارا ، فوصلت إلى زرع جاره فأفسدته  ، فإن كانت بعيدة يؤمن وصولها ، وإنما حملها ريح أو نحوها لم يضمن ; لأنه لم يفرط ، وإلا ضمن ; لأنه متسبب ، ومن قتل فديته على عاقلته ، قال  ابن يونس     : قال  أشهب     : لو قاموا للنار ليردوها فأحرقتهم فدمهم هدر - لا دية ولا غيرها . قال  اللخمي     : وافق  أشهب  ابن القاسم  في النار ، وخالفه في الماء ، وقال : إن كان يسير الماء بالرد فأغفل حين تسريحه ضمن ، وإن وليه الخدمة ضمن ، وإن حبسه تحامل على الجسر بغير خرق ولا ضعف من الجسر ، لم يضمن وإن كانت أرض جاره محسرة فتحامل الماء بالريح أو لزيادة لم يضمن ; لأنه ليس من سببه . 
 [ ص: 175 ] فرع : في الكتاب يمنع فتح الكوة يكشف منها الجار  ، وكتب  عمر     - رضي الله عنه - أن يوقف على سرير فإن نظر إلى ما في دار جاره منع نفيا للضرر ، وإلا فلا   ; لأنه تصرف في ملكه ، ولا يمنع من رفع البنيان وإن منع عنك الهواء أو الشمس ; لأنه تصرف يتوقع فيه غرض صحيح في ملكه ، بخلاف فتح الكوة ، ولأن الضرر لا يدفع عنك بضرره ، بل أنت بالضرر أولى لعدم الملك ، قال  ابن يونس     : قال   ابن كنانة     : إلا أن يكون رفعه يضر بجاره ولا نفع له فيمنع لتعين الفساد ، وفي كتاب تضمين الصناع لو كانت الكوة قديمة لم يعرض من له ، ولو أضرت لرضاهما بذلك ، وقيل : يمنع لرضاهما بما لا يحل ، وقال بعض أصحابنا : يمنع من سد الطاقات ببنيانه ، وكذلك إذا أوجب لظلام المنزل أو منع الهواء ، خلافا لما في المدونة . قال  التونسي     : إلا الذي في نصب الأسرة لعله في موضع يمكن فيه نصب الأسرة ، وأما المجارات فإنما يعتبر فيها إدراك القائم دار الجار فيمتنع وإلا فلا ، فإن بنى جوار الأندر ما يمنع مهب الريح للتذرية ، منعه  ابن القاسم  في الأندر المتقادم ; لثبوت حقه في الهواء وهو المقصود منه لتصفية الزرع وإصلاحه ، بخلاف المسكن مقصودة السترة والصون ، وجوزه  عبد الملك     ; لإمكان صرف منفعة الأندر إلى غير ذلك ، ومنع  عبد الملك  إحداث الأندر حول الجنان ; لأنه يضره بتبن التذرية كإحداث الحمام والفرن ، ولا يمنع الدقاق والغسال يؤذيان جارهما بضربهما لخفته ، بخلاف نتن - الدباغ ، ويمنع ضرر تبن الأندر  بالجنان -   [ ص: 176 ] ولو كان الجنان طارئا ، كما كان له قبل البناء منعه من وقع التبن في أرضه ، وإذا لم يكن لك منعه من الكوة ، فلك أن تبني في ملكك ما تسدها به قاله  ابن القاسم  ، كما لو رفع البناء وإن ستر الريح والشمس ، ومن له غرفة يطلع منها أو من كواها على جاره وهي قديمة قبل دار الجار ; لأن الجار إنما ملك معيبا ، وإن كانت أو الكوة محدثة أمر إزالتها أو سترها ، ولو كان بجارك يوم بنيت الغرفة أو كواها دار قائمة ، فأراد منعك لتوقع ضرره إذا بنى  ليس له ذلك قبل البناء ولا بعده ; لأنها منفعة سبقته إليها ، وقال  مطرف     : له منعك قبل البناء وبعده لنفي الضرر عنه ، فلو سكت قبل البناء له المقال بعده ، إلا أن تكون اشتريت الغرفة على ذلك ، وإنما له منعك في إحداثها ، قال  عبد الملك     : إذا باع داره وقد أحدث عليه جاره الكوة أو مجرى ماء أو غيره فلم يخاصم حتى باع  ، ليس للمشتري القيام ; لأنه إنما اشترى معيبا فحقه ساقط في العيب والضرر ، فلو خاصم ولم يتم له الحكم حتى باع  فللمشتري القيام ; لأنه تنزل منزلته ، قال  التونسي     : كيف يصح البيع قبل الحكم وهو شراء خصومة ، إلا أن يريد أنه لا خصومة في ذلك ، وإن الأمر توجه للبائع فباع وأعلم المشتري أن له سد ما أحدث عليه . وفي الكتاب ما أحدثه في عرصته من فرن أو حمام أو رحى ماء أو كير الحديد أو بئر أو كنيف ، منع من ذلك ما أضر منه بالجار ، واستخف اتخاذ التنور ، قال   سحنون     : إذا قال أسد الكوة من وراء الباب أو بلبنة منع ; لأنه يشهد له بعد مدة ، فيقال : لم يزل هذا الباب هاهنا . 
 [ ص: 177 ] فرع : قال  اللخمي     : إذا أخذت إلى دارك شيئا مما بين الأندر من الرحاب والشوارع  جاز ، إلا أن يضر بأهل الموضع أو المارة فيهدم قاله :  مالك     ; لأن أصله على التمليك بالإحياء حتى يتعين الضرر ، وعنه الكراهة إن لم يضر ، فإن نزل مضى وهو ظاهر قول  ابن القاسم  ، ومنعه   سحنون  وقال : يهدم ; لقوله عليه السلام : " من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبرا من الأرض طوقه الله يوم القيامة سبع أرضين   " وليس هو في الصحيح ، وللجواز قوله عليه السلام في   البخاري  إذا تشاحوا في الطريق فسبعة أذرع . 
فرع : قال  التونسي     : قيل : من دعا إلى قسمة بور القرية الذي يرتفق به  أجيب ; لأنه حقه كفناء الدار بعد قسمة البيوت ، وقيل : لا كالشارع ، وقيل : إن كان داخلا في القرية وهي محتفة به قسم ، وإلا فلا . 
فرع : قال : قال  أشهب     : إذا حفرت في دارك ما يضر بجارك  ليس لك ذلك - إذا وجدت منه بدا ولم تضطر إليه نفيا للضرر ، وإلا فلك ; لأنه يضر بك تركه ، كما يضر به فعله وأنت مقدم بالملك ، ومنعه  ابن القاسم  وهو أولى ; لأن الجار سبق   [ ص: 178 ] إلى تلك المنفعة ، فلا تفسدها عليه . 
فرع : قال : ليس لك في الزقاق غير النافذ  فتح باب ولا نقبه ، لقوة حق أهله فيه بانحصاره لهم ، ولك ذلك في النافذ ما لم تضيق الفناء ، ومنعه   سحنون  إذا كان قبالة باب رجل ، وإلا جاز ، ولك فتح حوانيت في دارك للشارع النافذ كالباب ، قاله :  ابن القاسم  في المدونة ; لأن أصل الشوارع على الإحياء حتى يتعين الضرر ، وله تحويل بابه في بئر النافذ حيث لا يضر بجاره ، ومنع   سحنون  الحانوت في النافذ إذا أضر بالجار بجلوس الناس عليه . 
فرع : قال : قال  أصبغ     : لك شجرات في أرض رجل أراد التحجير على أرضه بجدار  ، منع إن كانت مجتمعة لا يضر به تركها في القرب والبعد والسهولة ، وإلا فلا ; لأن الضرر إذا تعين على الشريكين حمل على أيسرهما نصيبا ، ويفتح لك بابا إليها ويكون غلقه بيدك إن طلبت ذلك ، وإن كانت شجر كثيرة غياضا ليس له التحجير عليها ; لأن أكثر الضرر عليك . 
فرع : قال : إذا أضرت شجرة جارك بجدارك وهي أقدم من جدارك على ما هو عليه اليوم من الانتشار  لا تقطع ; لأنه إنما ملكت معيبا ، فإن زادت الأغصان بعد بناء الجدار  شمر ما أضر بالجدار مما حدث بعد البناء ; لأنه غير المدخول على ضرره ، وقال  عبد الملك     : إذا كانت أقدم لا يتعرض لما زاد لدخوله على الزيادة ،   [ ص: 179 ] وإن كانت محدثة قطع منها ما أضر ، وأما الشجر التي تكون في الأرض بميراث أو شراء أو قسمة فامتدت حتى سترت الأرض بالظل ، فلا قول لصاحب الأرض ; لأن الشجر هذا شأنها في الأرض ، ووافقنا ( ش ) غير أن بعض الشافعية قال : إذا كانت أغصان الشجرة الحادثة بعد البناء لينة يمكن كفها بلا قطع لإزالة الضرر بالكف وإن لم يكن فلا يجب القطع بل يؤمر بإزالة الضرر ، فلعله يؤثر قطع الشجرة من أصلها لتبقى له الأغصان طوالا ، فإن امتنع فهل للمضرور الإزالة إن لم يكن قطع بخلا بالقيمة فله ، وإلا فلا بل للحاكم ، فلو انتقلت للدار المضرورة من صاحب الشجرة في ابتداء نشأتها ثم عظمت حتى أظلت ، لا مقال له لدخوله على ذلك ، وما أظن أصحابها يخالفونه في هذا الفقه ، فإنه مقتضى القواعد ، وقد قال  ابن يونس     : قال  مطرف     : إذا حدث لها أغصان بعد بنيان الجدار تضر بالجدار ، شمر ما أضر بالجدار فقط مما حدث ، وقال  عبد الملك     : يترك وإن أضر ; لأنه قد علم أن هذا شأن الشجر ودخل عليه ، وكان هذا من حريمها قبل بناء الجدار ، وفي كتاب  ابن حبيب     : إن عظمت الشجرة طولا إلى السماء فلا مقال كالبنيان يستر الريح والشمس ، قال  أصبغ     : لك شجرة في أرض رجل فعظمت ارتفاعا أو انبساطا حتى أضرت بالأرض لا قول لصاحب الأرض . 
فرع : قال : قال  ابن القاسم     : إذا نبع من بئرك أو عينك في أرض جارك  من غير   [ ص: 180 ] سبب منه ليس لك سدها ، وإن تسبب في ذلك سددتها ، وقال  أصبغ     : إذا خرج في أرض جارك قضيب من شجرة في حائطك من تحت الأرض فصار شجرة ، خير جارك بين قلعها أو يعطي لك قيمتها ; لأنها من غير  مالك  المعصوم والماء لا يملك إلا بالحوز ، وما خرج منه لجارك لم تحزه ، ولو كانت إذا قطعت وغرست نبتت ، فلك قلعها ولا يخير . وقال في المجموعة : يعطيك قيمتها مقلوعة ما لم يضر بك بأن تشرب من عندك ، وإلا فلك قلعها إلا أن يقطع عروقها المتصلة بشجرك وتعطى قيمتها مقلوعة . 
فرع : قال : قال  مطرف     : يمنع ما أضر بالناس من إحداث الأبرجة تضر بالزرع  ، أو النحل تضر بالشجر ، وكذلك الدجاج والإوز الطيارة بخلاف الماشية ; لأن الاحتراس منها ممكن ودخل الناس عليه في العادة ، وجوز  ابن القاسم  اتخاذ النحل والحمام قياسا على الماشية ، وعلى أهل القرية حفظ زرعهم وشجرهم . 
فرع : قال : قال  مالك     : إذا سقط الجدار بينكما وهو لأحدكما  لم يجبر على بنائه ; لأنه لا يجب عليه سترك بملكه ، أو لكما جبر الممتنع منكما على البناء مع صاحبه ; لأنه من أحكام الشركة ، وفي العتبية إذا كان لأحدهما فهدمه ، أو انهدم بغير فعله وترك رده ضررا - وهو قادر على بنائه ، جبر على رده ، فإن عجز ستر الآخر على نفسه بالبناء في حقه ، وإن هدمه للضرر أجبر على الإعادة ، أو هدمه لنفعه ثم عجز أو استغنى عنه لم يجبر ، قال  ابن حبيب     : لا يجبر عند  ابن القاسم  إذا انهدم ، ويجبر عند   ابن كنانة  ، وأجمعوا على الإجبار إذا هدمه   [ ص: 181 ]  للضرر ، وعن   ابن كنانة  لا يجبر إذا كان لهما أيضا ; لأن الإنسان لا يجبر على تجديد ملكه . وفي المجموعة إذا كان بينهما وانهدم بغير فعله لا يجبر ويخير في المشترك بين البناء والبيع والمقاسمة جمعا بين المصالح . 
فرع : قال : إذا اختلفتما في جدار بينكما وعقد بنائه إليكما  فهو لكما بعد أيمانكما ، لاستوائكما في السبب ، أو لأحدكما فقط فهو له ، أو منقطعا عنكما فلكما لاستوائكما ، وإن كان لأحدكما فيه كوة فهو لمن فيه مرافقه ، وإن كانت الكوة لكما فهو بينكما ، ولو كان لأحدكما فيه خشب - ولا عقد لأحدكما ، فهو لمن عليه حمله ، وإن كان حملكما عليه ، فهو بينكما . فإن كان لأحدكما عشر خشبات وللآخر سبعة ، ترك على حاله لا يزيد أحدكما خشبا إلا برضى صاحبه ، وإن انهدم بنيانه جميعا على حاله ، ويقال للممتنع : بع الدار كلها ممن يبني ، واختلف قول   سحنون  في الحمل هل هو دليل أم لا ؟ وفي كتاب ابن   سحنون  إذا كان وجه البناء لأحدهما وللآخر ظهره ، فهو بينهما ولم يجعل وجه البناء دليلا والحائط لمن له الباب فيه ، وإن لم يعلم لمن الباب فهو بينهما نصفان ، وقال  أشهب     : إذا كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خمسة أو خشبة فهو بينهما نصفان ، وقال : من خالفنا هو لصاحب الكثير إلا موضع الخشبة ، وقال   سحنون     : في الكوى غير المنفوذة نظر ، قال   سحنون     : إذا كان حائط حذوه حائط وعقد أحدهما لأحدكما ، وعقد الآخر لجهة الآخر ، قضي لكل واحد بالحائط الذي إليه عقده ، وإذا أراد من له العقد وعليه حمل لغيره - البناء على الحائط ، امتنع إن ضر بحمل الآخر ، وإلا فلا ، وإذا   [ ص: 182 ] كان حائط بينكما فأردت الحمل عليه ما يمنع الآخر حمل مثله عليه يمتنع ، إلا أن يأذن لك ، وإن لم يمنعه من حمل مثله جاز وإن لم يأذن ، قال  عبد الملك     : لا ، فإن أردت أن تحمل عليه ما لا يحمل الحائط مثله للآخر ويضعف الجدار وأردت هدمه وبناءه للحمل عليه ما يحمل عليه للآخر مثله ، لك ذلك وإن كره ; لأنك تسعى في مصلحتكما ويبقى الجدار بينكما كما كان ، قال   سحنون     : إذا كان لكما عليه خشب وخشبك أسفل من خشبه فأردت رفعه قبالته  ، لك ذلك وإن كره ، فإن أنكر صاحب الأعلى أن يكون لصاحب الأسفل من فوق خشبه شيء  صدق مع يمينه ; لحوزه لما فوق خشب الأسفل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					