الفصل الثاني : في المصيد به  ، وهو كل حيوان معلم ، وقاله ( ش ) ، و ( ح ) لقوله - عليه السلام - : ( إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم   [ ص: 171 ] الله عليها ، فكل مما أمسكن عليك ، وإن قتلن ، وإن أكلن فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه   ) في الصحيحين ، فاشترط التعليم ليكون كالآلة للصائد لئلا يمسك على نفسه فيصير ميتة . أو سلاح محدود رفقا بالحيوان لما في  مسلم  أنه سأله - عليه السلام -   عدي بن حاتم  عن  المعراض  ، فقال : ( إن أصابه بحده فكل ، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل ، فإنه وقيذ   ) وقال  لأبي ثعلبة     : ( ما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله وكل   ) وفي الكتاب : المعلم من الحيوان هو الذي إذا زجر انزجر ، وإذا أرسل أطاع ، والسلالقة وغيرها سواء . قال  أبو الطاهر     : في صفة التعليم أربعة أقوال : ما في الكتاب ، والثاني : إذا دعي أجاب من الكلاب ، ولا يشترط في الطير الانزجار . الثالث : التسوية  لابن القاسم  وغيره في اشتراط الثلاثة الأوصاف ، الرابع : الانزجار ليس شرطا لقوله في الكتاب : إذا أدرك الصيد ينهش ، وفات قبل ذكاته أكل . قال : هذه حكاية  اللخمي  ، وهو ليس بخلاف ، وإنما يقال : كل ما يمكن من التعليم ، فهو مشترط ، والمقصود انتقال الجارح عن طبعه حتى يصير للصائد كالآلة المستعملة . قال صاحب الإكمال : مذهب  مالك  وأحد قولي ( ش ) إذا أكل الكلب من الصيد يؤكل ، ومذهب ( ح ) ،   وابن حنبل  ، وأحد القولين عندنا لا يؤكل بخلاف البازي عندنا ، وعندهم للحديث السابق ، ولقوله تعالى : ( مما أمسكن عليكم    ) ( المائدة : 4 ) وهو إنما أمسك على نفسه ، والجواب   [ ص: 172 ] عن الأول قوله - عليه السلام - في  أبي داود     : ( إن أكل فكل   ) فيجمع بينهما بجعل النهي على الكراهة ، وعن الثاني : أن الآية إنما أشارت إلى منع الأكل بغير إرسال . قال  المازري     : قد أنكر على الفقهاء إطلاقهم الإشلاء على الإرسال ، وإنما هو الدعاء ، ولعل الفقهاء استعملوه مجازا ; لأن الدعاء قبل الإرسال وسببه ، فيكون من مجاز إطلاق التسبب على السبب ، ولا يكون الحيوان معلما بمطاوعته مرة ، ولا غير معلم بمعصيته مرة ، بل ذلك راجع إلى شهادة العادة دون تحديد عند  مالك  ، وحدد ( ح ) بترك الكلب للأكل ثلاث مرات ; لأنه مروي عن   ابن عباس  رضي الله عنهما ، ولأن الثلاثة معتبرة في موارد عدة من الشريعة في الخيار والهجران والإحراد ، وجوابه : أن هذا قد لا يوجب الوثوق بتعليم الحيوان ، واستثنى   ابن حنبل  الكلب الأسود ، وخصص   ابن عمر  رضي الله عنهما الحيوان المصيد به بالكلاب لقوله تعالى : ( مكلبين ) ورآه مأخوذا من الكلب ، وجوابه : أنه مأخوذ من الكلب بتحريك اللام الذي هو الحرص ; لأن المعلم يزداد حرصه بالزجر ، وقيل : التكليب : التسليط ، وقيل : التعليم . سلمنا أنه من الكلب لكن السباع كلاب لقوله   - عليه السلام - في  عتبة بن أبي لهب     : ( اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ) فافترسه الأسد   . قال  ابن يونس     : الفهد ، وجميع السباع إذا علمت كالكلب إلا النمس ; لأنه لا يفقه التعليم . قال  اللخمي     : الصيد ذكاته بتسعة شروط    : ثلاثة في الجارح : التعليم ،   [ ص: 173 ] والإرسال ، وعدم الرجوع ، وثلاثة في المصيد : العجز عنه ، ورؤية الجوارح له احترازا من الغيضة ، أو يموت من الجزع لا من الصدوم ، وثلاثة في المرسل : صحة ذكاته ، وإسلامه ، وعدم رجوعه عن الطلب . 
فائدة : الجوارح جمع جارحة ، وقيل : مأخوذ من الجرح بضم الجيم ، وقيل : من الجرح بفتحها ، وهو الكسب لقوله تعالى : ( ويعلم ما جرحتم بالنهار    ) ( الأنعام : 60 ) . 
تمهيد : المطلوب في الحيوان القصد إلى استخراج الدم الحرام من اللحم الحلال بأسهل الطرق عليه إن أمكن بآلة تصلح لذلك ، وهذا كله متيسر في الإنسي ، ويتعذر في الوحشي استخراج الدم . وسهولة الطريق ، وبقي القصد ، والآلة ، ونزل السهم منزلة المدية لضرورة النفار ، والتوحش ، فهو في المرتبة الثانية ، ويليه في المرتبة الثالثة الجارح ; لأن له اختيارا يبعد به عن كونه آلة لكن عدم العقل فيه مخل باختياره ، فسقط اعتباره ، ولذلك لا يصح أن يكون المجوسي آلة ؛ لعقله وكمال اختياره ، وفي الكتاب : إذا شارك المعلم غير المعلم  ، أو كلب غير مرسل لا يؤكل إلا أن تعلم ذكاة المعلم أو المرسل دون غيره لعدم تيقن السبب المبيح ، فإن أرسل جماعة كلابا ، وتوافقت جميعا  أكل ، وهو لهم ، وإن اختص كلب أحدهم بقتله اختص به . قال  محمد     : ولو أرسل كلبا بعد كلب ، فقتلاه ، أو أحدهما  أكل . قال  أصبغ     : ما لم يكن إرسال الثاني بعد أخذ الأول له ، فقتله الثاني أو شاركه ; لأنه صار مقدورا عليه . قال  اللخمي     : قال   ابن شعبان     : لو كان لواحد جارح ، وللآخر اثنان اقتسما الصيد نصفين ، أو جارح واحد ملكهما فيه مختلف الأجزاء فكذلك ، والمعروف من المذهب  لمالك  وأصحابه أنه على قدر الأجزاء ، فكذلك العبد والبازي في ذلك سواء ، وأنكر  المازري   [ ص: 174 ] على  اللخمي  أن أصل المذهب القسمة على عدد الكلاب ، بل قال المذهب : إلغاء تفاوت العدد والأجزاء . 
نظائر : قال  العبدي     : ستة مسائل تختص بالرءوس دون الأنصباء : الصيد لا تعتبر فيه كثرة الكلاب ، وأجرة القاسم ، وكنس المراحض ، وحراسة أعدال المتاع وبيوت الغلات ، وأجرة السقي على المشهور ، وحراسة الدابة . وأربعة مسائل تعتبر فيها الأنصباء : الشفعة ، وزكاة الفطر عن العبد المشترك ، والتقويم في العتق ، وكنس السواقي . 
فرع 
قال  المازري     : فلو غصب كلبا أو بازيا ، فصاد بهما  ، فقيل : الصيد للغاصب ; لأن الكلب لو انفرد به لكان ميتة ، فالمعتبر إنما هو الصائد لقصده وتسميته ، فيكون له ، وقيل : لصاحب الجارح ; لأنه المباشر للممسك بقصده ، وقوته ، والصائد متسبب ، فيقدم المباشر على المتسبب كما في القصاص ، وهو لا يقبل الملك ، فيكون لربه ، ولو غصب سلاحا فللغاصب ; لأن السلاح لا قصد له ، وفي الكتاب : المصيد بحجر أو بندق  لا يؤكل ولو بلغ مقاتله ; لأنه رض ، وكذلك المعراض إذا أصاب بعرضه ، وقاله ( ح ) ، و ( ش ) ، وكل ما جرح بحده أكل ، كان عودا أو عصا أو رمحا ، والمعراض  خشبة في رأسها زج قال صاحب الإكمال : وقيل : سهم طويل له أربع قذذ رقاق إذا رمي به اعترض ، وقال  الخليل     : هو سهم دون ريش ، وقيل : عود رقيق الطرفين غليظ الوسط . والخذف لا يباح الرمي به ; لأن مصيده وقيذ كالبندقية ، وعند الجمهور لا يؤكل ما أصاب   [ ص: 175 ] المعراض بعرضه خلافا لأهل الشام  ، ولا مصيد البندقية خلافا لـ ( ش ) وجماعة ، فظاهر كلامه تحريم الرمي بالبندق ابتداء ، وإن ذكي مرميه ، وبه قال ( ش ) خلافا  لابن حنبل  ، ولا ينبغي خلاف في إباحة الرمي به السباع الصوائل والعدو المحارب ، وفي الكتاب : ما قتلت الحبالة ، وهي الشرك لا يؤكل إلا ما ذكي ، ولو كانت فيه حديدة أنفذت مقاتله لعدم التسمية عند القتل ، وقاله ( ش ) خلافا  لابن حنبل     . قال  اللخمي     : ولا يؤكل مصيد السهم المسموم ; لأن موته قد يكون بالسم دون السهم ، ولأن أكله قد يهلك . 
فرع 
قال صاحب البيان : موضع ناب الكلب يؤكل عندنا ; لأنه طاهر ، وقال ( ش ) في أحد قوليه ،   وابن حنبل     : يغسل سبعا لنجاسته ، ويقطع موضع اللعاب . 
فرع 
قال  اللخمي     : قال  مالك     : من عمل الناس : اتخاذ أبرجة الحمام وإن عمرت من حمام الناس . قال : وهذا إذا لم يحدث الثاني بقرب الأول ; لأنه ضرر . قال : وإذا دخل حمام برج على آخر  ، فثلاثة أقوال : إن عرف وقدر على رده رد ، وإن عرف ولم يقدر على رده . قال  ابن القاسم     : هو للثاني . قال  ابن حبيب     : بل ترد فراخه ، وإن لم يعرف ، أو عرف ، ولم يعرف عينه ، فللثاني ; لأن الأول إنما ملكه بسبب الحيازة ، وقد ذهبت لا أنه ملك محقق ، فإن أوى إلى دار رجل ، ولم يعلم صاحبه ، وعلم أنه بريء ، فله ملكه   [ ص: 176 ] وإن عرف بوجه رده على قول  مالك  ، وإن كان من حمام البيوت رده ولم يتعرض لحبسه ، فهو لقطة ، وهو بالخيار بين بيعه للصدقة بثمنه ، وبين حبسه والصدقة بثمنه ، فإن حبسه ولم يتصدق بشيء ، فواسع ليسارته ، والأجباح يجري نصبها على ما تقدم في الأبراج ، فلا تنصب في القرب ، فإن فعل وليس ثم إلا نحل مربوب فهو فيما دخل إليه أسوة ، فإن كان ثم نحل كثر غير مربوب فيما دخل إليه فلينصب ، وما دخل إليه فهو له ، فإن دخل فرخ جبح آخر . قال   سحنون     : هو لمن دخل إليه كالحمام إذا لم يقدر على رده ، وقال  ابن حبيب     : يرده إن عرف موضعه ، وإن لم يقدر رد فراخه ، ويلزمه أن يقول برد ذلك العسل ، وانتقال الملك في النحل أقوى من الحمام ; لأنه يصاد ، والنحل لا يصاد ، بل يأوي بنفسه ، وفي الكتاب : من صاد حمام برج  رده إن قدر ، وإلا فلا ، ومن وضع جبحا ، فله ما دخل من النحل . قال  ابن يونس     : قال  التونسي     : إذا تزوجت جماعة من البيوت مع ذكر له ردها له مع نصف الفراخ ، فإن الأب والأم يشتركان في الفرخ ، وقال  مطرف     : لا يتخذ النحل والحمام حيث يؤذيان في الثمار ، والزروع ، وجوزه  أصبغ     . 
فرع 
في الكتاب : من قتل كلب صيد ، أو زرع ، أو ضرع  فعليه قيمته ، أو من كلاب الدور ، فلا شيء عليه ; لأنها تقتل ، ولا تترك ، ولا يجوز بيع كلب سوقي  ، ولا غيره لنهيه - عليه السلام - عن ثمن الكلب . قال صاحب الإكمال : مذهب  مالك  ، وأصحابه قتل الكلاب إلا ما استثني للصيد وما ذكر معه ، وعندي أن الجمع بين الأحاديث الاقتصار بالقتل على الأسود البهيم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					