المقصد الثالث : الطواف : وصفة الطوافات كلها واحدة  ، وفيه فصلان ، الفصل الأول : شرائطه ، وهي تسعة  ، فالثلاثة الأولى في ( الجواهر ) : طهارة الحدث    . وطهارة الخبث  ، وستر العورة  ، لقوله عليه السلام : ( الطواف بالبيت صلاة ، إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام   ) ولما حاضت عائشة    - رضي الله عنها - بكت فأمرها عليه السلام أن تردف الحج على العمرة ، ولولا ذلك لأباح لها الطواف ، وقاله ( ش ) وقال ( ح )  والمغيرة     : لا تشترط الطهارة قياسا على الوقوف ، بل هي سنة إن طاف محدثا فعليه شاة أو جنبا فعليه بدنة وجوابه : أن القياس في معرض النص فاسد ، ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فأشبهت الصلاة ، بخلاف الوقوف ، وإذا قلنا باشتراط الطهارة في الصلاة على الإطلاق مع الذكر والنسيان ، فكذلك ها هنا ، وإن قلنا : ليست شرطا مطلقا فكذلك في الطواف ، وإن قلنا : مع الذكر فكذلك في الطواف ، وفي ( الكتاب ) : من طاف الطواف الواجب وفي ثوبه أو جسده نجاسة  لم يعد ، وإن صلى الركعتين بذلك أعادهما إن كان قريبا ، ولم ينتقض   [ ص: 239 ] وضوءه فإن انتقض وضوءه أو طال فلا شيء عليه لخروج وقت الصلاة ، وقال  أصبغ     : سلامه كخروج الوقت ، وفي ( الجواهر ) : إن طاف غير متطهر  أعاد ( فإن رجع إلى بلده قبل الإعادة رجع من بلده على إحرامه فطاف ، وقال  المغيرة     : يعيد ) ما دام بمكة  ، فإن أصاب النساء وخرج إلى بلده أجزأه ، وقال  أشهب  بعد فراغه بالنجاسة أعاد الطواف والسعي فيما قرب إن كان واجبا ، وإن تباعد فلا شيء عليه ويهدي ، وليس بواجب . الشرط الرابع : المولاة  ، لفعله عليه السلام الطواف كذلك ، وفي ( الكتاب ) : إذا نسي المعتمر شوطا  ابتدأ الطواف وركع وسعى وأمر الموسى على رأسه ، وقضى عمرة ، وأهدى ، ولو أردف الحج على عمرته بعد إكمال حجه ثم ذكر بعرفة شوطا من طوافه مضى على قرانه ، قال  سند     : هذا على المشهور ، في وجوب السبعة وبه قال الأئمة : وقد كان  ابن القاسم  يغتفر الشوطين ; لأن الأقل تبع للأكثر ، وعلى المشهور : لو ذكر شوطا بالقرب ولم ينتقض وضوءه عاد إليه بالقرب اتفاقا ، كما يرجع إلى الصلاة ، وإن طال بطل الطواف عند  مالك  و ( ش )   وابن حنبل  قياسا على الصلاة ، ولا يبطل عند ( ح ) قياسا على الزكاة ، والمذهب : بطلانه بنقض الوضوء وإن قرب كالصلاة ، وروي عن  ابن القاسم     : لا يبطل ، قال  مالك     : الشك في الإكمال كتيقن النقض ، ولو أخبره آخر بالإكمال أجزأ ، وفي ( الكتاب ) : إن خرج في أثناء طوافه فصلى على جنازة  أو طلب نفقة نسيها ابتدأ الطواف ، ولا يخرج من طوافه إلا لصلاة الفريضة    ; لأن التفريق اليسير لا يبطل لا سيما لضرورة الصلاة ، قال  سند     : وفي ( الموازية ) يبني قبل أن ينتقل ، والمستحب أن يخرج على كمال شوط عند الحجر ، فإن خرج من غيره : قال  ابن حبيب     : يدخل من موضع خرج ، فإن بقي من الطواف شوطان أتمهما إلى أن تعتدل الصفوف ، فإن صلى على جنازة : قال  ابن القاسم     : يبتدئ   [ ص: 240 ] طوافه ، وقال  أشهب  مع الأكثرين : يبني ولا يقطعه لركعتي الفجر إلا في التطوع ، وعلى قول  أشهب     : يبني إذا خرج للنفقة إن لم يطل ، وهو أعذر من الجنازة . الشرط الخامس : الترتيب  خلافا لـ ( ح ) ، ووافقنا ( ش ) ، وفي ( الجواهر ) : هو أن يجعل البيت على يساره ويبتدئ بالحجر الأسود ، ولو جعله على يمينه لم يصح ، ولزمته الإعادة ; لأن جنبي باب البيت نسبتهما إليه كنسبة يمين الإنسان ويساره إليه ، فالحجر موضع اليمين ; لأنه يقابل يسار الإنسان ، وباب البيت وجهه ، فلو جعل الحجر على يمينه لأعرض عن باب البيت الذي هو وجهه ، ولو جعله على يساره أقبل على الباب ، ولا يليق بالأدب الإعراض عن وجوه الأماثل ، وتعظيم بيت الله تعالى تعظيم له . وقيل : إن رجع إلى بلده لم تلزمه إعادة ، ولو بدأ بغير الحجر الأسود  لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهي إلى الحجر فمنه يبتدئ الاحتساب ، قال  سند     : البداية عند  مالك  بالحجر سنة ، فإذا بدأ بالركن اليماني  فإذا فرغ من سعيه أتم ذلك وتمادى من اليماني إلى الأسود ، فإن لم يذكر حتى طال أو انتقض وضوءه أعاد الطواف والسعي ، فإن خرج من مكة  أجزأه وأهدى ، لقوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق    ) . ( الحج : 29 ) وهذا قد طاف ، فإن تركه عامدا ابتدأ ، وإن ابتدأ الطواف من بين الحجر والباب بالشيء اليسير  أجزأه ، وإن بدأ بباب البيت إلى الركن لا يعتد به ، والبداية بالحجر شرط عند الشافعية وسنة عند  مالك  ، فلو ابتدأ بالركن اليماني فإذا فرغ من سعيه تمادى من اليماني إلى الأسود ، فإن لم يذكر حتى طال أو انتقض وضوءه أعاد الطواف والسعي ، فإن خرج من مكة أجزأه الهدي لقوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق    ) . ( الحج : 29 ) . 
الشرط السادس : أن يخرج بجملة جسده عن البيت ، وفي ( الكتاب ) : لا يعتد بما طاف داخل الحجر ، ويبني على ما طاف خارجا منه ، فإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فليرجع وهو كمن لم يطف ، لقوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق    )   [ ص: 241 ] والحجر بقية البيت ، فلا يجزئ داخله ولا شاذروانه ، خلافا لـ ( ح ) . 
الشرط السابع : أن يكون داخل المسجد  ، ففي ( الكتاب ) : من طاف من وراء زمزم  وفي سقائف المسجد من زحام الناس أجزأه ، وإن طاف في السقائف لغير زحام ، لحر أو برد ، أعاد ، قال  سند     : يستحب الدنو من البيت كالصف الأول ، وقال  أشهب     : لا يجزئ من طاف خارج السقائف كالطائف خارج المسجد أو من وراء الحرم ، والفرق : أن اتصال الزحام يصير الجميع متصلا بالبيت كاتصال الزحام بالطرقات يوم الجمعة ، ومع عدم الزحام : الطائف خارج المسجد يعد طائفا بالمسجد لا بالبيت  ، وخرج بعض المتأخرين المنع من وراء زمزم  على منع  أشهب  في السقائف ، والفرق : أن زمزم في بعض الجهات عارض في طريق الطائفين ، فلا يؤثر كالمقام لوجهين في المطاف ، قال  ابن أبي زيد     : من طاف في سقائف المسجد لا يرجع لذلك من بلده ، وقال  ابن شبلون     : يرجع كمن لم يطف ، وفي ( الجواهر ) : إذا رجع إلى بلده هل يجزئه الهدي أو يرجع ؟ قولان للمتأخرين . 
الشرط الثامن : إكمال العدد  ، وهو معلوم من ضرورة الدين ، وفي حديث   ابن عمر     ( أنه عليه السلام خب ثلاثة أطواف ، ومشى أربعا   ) وفي ( الكتاب ) : من نسي الشوط السابع  ركع وسعى : فإن كان قريبا طاف شوطا واحدا وركع وسعى ، وإن طال أو انتقض وضوءه ابتدأ الطواف وسعى ، فلو راح إلى بلده رجع وإن أصاب النساء فعل ، كما يفعل من طاف وسعى على غير وضوء ، قال  سند     : إطلاق الأطواف مجمع عليه ، وجوز  مالك  الأشواط ، وكره ( ش ) الأشواط والأدوار ، وقد ورد في حديث الرمل : الأشواط ،   [ ص: 242 ] والجميع واجب عند  مالك  و ( ش )   وابن حنبل  ، والصحيح من قول  ابن القاسم  ، لفعله عليه السلام ، وكان  ابن القاسم  يخفف في الشوطين ويجعل الأقل تبعا للأكثر ، ثم رجع ، وقال ( ح ) : إن طاف أربعا لزمه الإتمام إن كان بمكة  ، وإلا جبره بدم كإدراك السجود بالركوع . الشرط التاسع : اتصال ركعتين به  ، فإن قلت : الشرط يجب تقديمه على المشروط وهذا متأخر ، فكيف يجعل شرطا ؟ قلت : المشروط صحة الطواف وهي متأخرة عن الركوع مع الإمكان ، والركوع يتأخر عن الفعل فقط ، وفي ( الجواهر ) : قال  عبد الوهاب     : هما سنة ، وقال  أبو الوليد     : الأظهر وجوبهما في الطواف الواجب ، ويجبان بالدخول في التطوع ، وقال  أبو الطاهر     : هما تابعان للطواف في الوجوب والندب ، قال  سند     : ولا خلاف بين أرباب المذاهب أنهما ليستا ركنا ، والمذهب : أنهما واجبتان يجبران بالدم ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش )   وابن حنبل     : لا دم فيهما ، لنا : قوله عليه السلام : ( من ترك نسكا فعليه دم   ) ولأنهما عبادة بعد الطواف ، فيجبان كالسعي ، فإذا ذكرهما في سعيه رجع فركع ليقع السعي بعدهما ، وهو سنة إن كان على وضوء ، وإلا توضأ وأعاد الطواف ، وإن قرب ، قاله  مالك  ، وقال  ابن حبيب     : إن انتقض وضوءه ابتدأ الطواف إن كان واجبا ، وهو مخير في التطوع ، ونظيره على قول  مالك     : سجود السهو قبل السلام إذا أخره بعد السلام ثم أحدث أعاد الصلاة على قول ، فإن ذكرهما بعد السعي : قال  مالك     : يركعهما ويعيد السعي ، قياسا على الشوط ينساه ، فإن لم يذكر حتى طال ذلك أياما ورجع إلى بلده : قال  ابن القاسم     : يركعهما مكانه في سائر الطوافات في الحج والعمرة ، ويهدي وطئ النساء أم لم يطأ ، فإن ذكر بمكة  أو قريبا منها ولم يطأ فإن كانتا من طواف القدوم وليس بمراهق رجع فطاف وسعى وأهدى ، أو من طواف الإفاضة طاف ولا دم عليه ; لأن طواف القدوم متعين الوقت بخلاف الإفاضة ، فإن كانتا من طواف القدوم الذي أخره وهو مراهق أو أحرم من   [ ص: 243 ] مكة  ، أو كانتا من عمرة طاف وسعى ولا دم عليه ، وإن وطئ وهما من أي طواف كان ، فتذكر بمكة  أو قريبا منها طاف وسعى لما فيه سعي وأهدى واعتمر ، وإن رجع إلى بلده ركعهما مكانه وأهدى ، ويختلف في جعل النسيان عذرا كالمراهقة فيسقط الدم ، وإذا قلنا : تختص الإفاضة بوقت معين وجب الدم ، وعلى رأي  أشهب     : يجب الدم في العمرة للتفريق ، وقال  مالك  في ( الكتاب ) : إن كانتا من عمرة ورجع لم يكن عليه شيء إلا أن يلبس الثياب ويتطيب ، فالدم ينوب عنهما ، وقال  المغيرة     : يرجع لهما ; لأن فعلهما لا يفوت ، والأول أحسن لأنهما ليستا بركن ، ولا تختصان بمكان واجب ، ولهذا لو صلاهما بغير المقام أجزأه ، فلا يرجع لهما إلا مع القرب كطواف الوداع ، فإن جمع وهو بمكة  استحب له العمرة بعد الإصلاح ; لأنه كان مأمورا بإعادة السعي والطواف لتحصيل الفضيلة ، واستحب  مالك  الفدية إن لبس أو تطيب تشبها بالمحرمين ، وفي ( الكتاب ) : لا تجزئ المكتوبة عنهما ; لأن الأصل عدم التداخل ، ومن لم يركعهما حتى دخل في أسبوع آخر ، قطع وركع ، وإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين ; لأن السعي تفريق يسير ، لا يخل بهما ، ومن جاء في غير إبان الصلاة أخرهما إلى الحل أجزأتا إلا أن ينتقض وضوءه فيبتدئ الطواف إن كان واجبا ، ويركع إلا أن يتباعد فيركعهما ويهدي ولا يرجع ، قال  سند     : ولو أخرهما أربعة أسابيع لركع وصح ، ولو أخر ذلك عامدا يخرج على اشتراط الموالاة والجواز لجواز الطواف بعد العصر وتأخير الركوع إلى الغروب ، وقد قلنا : إذا نسي ركع في بلده ، ولو أن الطواف صحيح لوجب الرجوع ، وفي  أبي داود     : قال عليه السلام : ( لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة من ليل أو نهار   ) فخص ذلك بعضهم بركعتي الطواف ، وبعضهم بالدعاء ، قال  سند     : ويحتمل تخصيص ذلك بغير أوقات النهي ، وقد طاف  عمر     - رضي الله عنه - بعد الصبح ولم يركع حتى طلعت الشمس ، قال  ابن القاسم     : وإذا أخرهما إلى الغروب   [ ص: 244 ] قدم المغرب عليهما ، ولو ركع بعد العصر أعادهما استحبابا ، والقياس الإجزاء ; لأن الوقت يقبل الصحة ، بدليل فعل المفروضات ، والمشهور : أنه لا يركع بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وقال  مطرف     : يركع إن كان بغلس ، ويروى عن  عمر     - رضي الله عنه - فعله ، والمستحب فعلهما في المسجد أو بمكة  ، فإن فعلهما في طريقه بوضوء واحد فلا رجوع عليه ، وإن انتقض وضوءه أعاد الطواف والركوع ، وفي ( الكتاب ) : ومن قدم مكة  حاجا أو معتمرا فطاف وسعى ونسي الركوع حتى قضى الحج أو العمرة    : إن ذكر بمكة  أو قريبا منها رجع فطاف وركع وسعى ، فإن كان معتمرا فلا شيء عليه ، إلا أن يكون قد لبس الثياب وتطيب ، وإن كان حاجا وكان الركوع من طواف القدوم الذي يصل به السعي ، فعليه الهدي ، أو من الإفاضة وكان قريبا رجع فطاف وركع ، وإن انتقض وضوءه فلا شيء عليه ، وإن كان من طواف السعي الذي يؤخره المراهق حتى يرجع من عرفة فذكر ذلك بمكة  بعد حجه أو قريبا منها ، أعاد الطواف إن انتقض وضوءه وركع وسعى ولا شيء عليه ; لأنهما من طواف هو بعد وقوف عرفة ، وإن تباعد ركعهما مكانه وأهدى ، كانتا من عمرة أو حج ، قبل الوقوف أو بعده . 
ولا بأس بالحديث اليسير في الطواف  لقوله عليه السلام : ( الطواف بالبيت صلاة ، إلا أن الله تعالى أباح فيها الكلام   ) ولا ينشد الشعر لشدة منافاته ، ولا تستحب القراءة ; لأنها ليست من عمل السلف ، واستحبها ( ش ) ; لأن  مجاهدا  كان يقرأ عليه القرآن في الطواف . ومنع  ابن القاسم  و ( ش ) من البيع لشدة منافاته ، ولأنه داخل المسجد . بل ينبغي للطائف الوقار والمبالغة في الأدب مع الله تعالى    ; لأنه في عبادته وعند بيته ، وكانت الجاهلية ألصقوا المقام بالبيت خشية السيل ، وبقي ذلك إلى زمان  عمر     - رضي الله عنه - فرده إلى مكانه زمان إبراهيم    - عليه السلام - بخيوط قاسها به كانت في خزائن الكعبة  ، عملها الجاهلية وقت تقديمه . وهو عليه الآن ،   [ ص: 245 ] وهو الذي نصب معالم الحرم بعد تغييرها عن مواضعها ، قال  سند     : قال  مالك     : بكة    : موضع البيت ، ومكة  اسم للقرية ، قال  ابن حبيب     : ويستحب الإكثار من شرب ماء زمزم   والوضوء به ما أقام بها ، قال   ابن عباس     : وليقل إذا شرب : اللهم إني أسألك علما نافعا وشفاء من كل داء . قال : وهو لما شرب له ، وقد جعله الله تعالى لإسماعيل    - عليه السلام - ولأمه هاجر طعاما وشرابا   . 
				
						
						
