مسألة 
قال : قيل  لمالك     : أقول : أنا مؤمن ، والله محمود ، أو إن شاء الله ، فقال : قل : مؤمن ، ولا تجعل معها غيرها ، معناه لا تقل إن شاء الله ، ولا غير ذلك ، وهذه مسألة خلاف بين العلماء ، قال  الأشعري  ،   والشافعي  ، وغيرهما : يجوز إن " شاء الله " ، وقال  أبو حنيفة  ، وغيره : لا يجوز ; لأن الإيمان يجب فيه الجزم ، ولا جزم مع التعليق ، وقال غيرهم : بل يجوز لأحد وجوه : إما أن يريد المستقبل ، وهو مجهول حصول الإيمان فيه ، أو يريد نفع الإيمان الحاضر في المستقبل ، وهو مجهول الحصول في المستقبل للجهل بالخاتمة ، أو يكون ذكر الاستثناء للتبرك لا للتعليق . 
مسألة 
قال رجل  لمالك     : يا  أبا عبد الله  ، ( الرحمن على العرش استوى    ) كيف استوى ؟ قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والسؤال عنه بدعة ، والإيمان به واجب ، وأراك صاحب بدعة ، أخرجوه   . 
قال  ابن أبي زيد     : الله تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه ، وإنه في كل   [ ص: 243 ] مكان بعلمه ، وقال في " الرسالة " : استوى على عرشه المجيد بذاته ، وهذا أقرب للتأويل من الأول ، أي بغير معين بل بذاته استوى على العرش ، وغيره ، وخص الله تعالى العرش بالاستواء ; لأنه أعظم أجزاء العالم ، فيبقى غيره بطريق الأولى ، فقال جماعة عن  ابن أبي زيد  ، وعن   ابن عبد البر  ، وجماعة من المجتهدين : إنهم يعتقدون الجهة لأجل هذه الإطلاقات ، وقال بعض الفضلاء : هذا إنما يلزمهم إذا لم يصرحوا بأنه ( ليس كمثله شيء    ) ، وبغير ذلك من النصوص النافية للجهة ، وإنما قصدهم إجراء النصوص كما جاءت من غير تأويل ، ويقولون : لها معان لا ندركها ، ويقولون : هذا استواء لا يشبه الاستواءات ، كما أن ذاته لا تشبه الذوات ، فكذلك يكون فوق سماواته دون أرضه فوقية لا تشبه الفوقيات ، وهذا أقرب لمناصب العلماء من القول بالجهة . 
ومعنى قول  مالك     : الاستواء غير مجهول ، أن عقولنا دالتنا على الاستواء  اللائق بالله ، وجلاله ، وعظمته ، وهو الاستيلاء دون الجلوس ، ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام ، وقوله : والكيف غير معقول معناه : أن ذات الله تعالى لا توصف بما وضعت العرب له كيف ، وهو الأحوال المتنقلة ، والهيئات الجسيمة من التربع وغيره ، فلا يعقل ذلك في حقه تعالى لاستحالته في جهة الربوبية ، وقوله : والسؤال عنه بدعة ، معناه لم تجر العادة في سيرة السلف بالسؤال عن هذه الأمور المثيرة للأهواء الفاسدة ، فهو بدعة ، ورأيت  لأبي حنيفة     - رضي الله عنه - جوابا لكلام كتب به إليه  مالك     : إنك تتحدث في أصول الدين ، وإن السلف لم يكونوا يتحدثون فيه ، فأجاب بأن السلف - رضي الله عنهم - لم تكن البدع ظهرت في زمانهم ، فكان تحريك الجواب عنها داعية لإظهارها فهو سعي في منكر عظيم ، فلذلك ترك ، قال : وفي زماننا ظهرت البدع ، فلو سكتنا كنا مقرين للبدع ، فافترق الحال ، وهذا جواب سديد ، يدل على أن البدع ظهرت ببلاده بالعراق  ،  ومالك  لم يظهر ذلك ببلده ، فلذلك أنكر ، فهذا وجه الجمع بين كلام الإمامين ، وعن   الشافعي     - رضي الله عنه - لو وجدت المتكلمين لضربتهم بالحديد . 
قال لي بعض الشافعية ، وهو متعين فيهم يومئذ : هذا يدل على أن مذهب   [ ص: 244 ] الشافعية تحريم الاشتغال بأصول الدين ، قلت له : ليس كذلك فإن المتكلمين اليوم في عرفنا إنما هم  الأشعري  ، وأصحابه ، ولم يدركوا   الشافعي  ، ولا تلك الطبقة الأولى ، إنما كان في زمان   الشافعي  عمر بن عبيد  ، وغيره من المعتزلة  المبتدعة أهل الضلالة ، ولو وجدناهم نحن ضربناهم بالسيف فضلا عن الحديد ، فكلامه ذم لأولئك لا لأصحابنا ، وأما أصحابنا القائمون بحجة الله والناصرون لدين الله ، فينبغي أن يعظموا ، ولا يهتضموا ; لأنهم القائمون بفرض كفاية عن الأمة ، فقد أجمعت الأمة على أن إقامة الحجة لله تعالى فرض كفاية ، قال لي ذلك   الشافعي     : يكفي في ذلك الكتاب والسنة ، قلت له : فمن لا يعتقدهما كيف تقام الحجة عليه بهما ؟ فسكت . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					