تمهيد : يقع التداخل في الشريعة في ستة مواضع : 
 [ ص: 311 ] الأول : الطهارات كالوضوء إذا تعددت أسبابه ، أو تكرر السبب الواحد ، والغسل إذا اختلفت أسبابه ، أو تكرر السبب الواحد ، والوضوء مع الجنابة ، وفي تداخل طهارة الحدث والخبث خلاف . 
الثاني : العبادات كسجود السهو إذا تعددت أسبابه ، وتحية المسجد مع الفرض  ، والعمرة مع الحج . 
الثالث : الكفارات كما لو أفطر في رمضان في اليوم الواحد مرارا بخلاف اليومين ، أو الأكثر خلافا ح في إيجابه كفارة واحدة في جملة رمضان ، واختلف قوله في الرمضانين . 
الرابع : الحدود إذا تماثلت ، وهي أولى بالتداخل من غيرها لكونها أسبابا مهلكة ، وحصول الزجر بواحد منها ؛ ألا ترى أن الإيلاج سبب الحد ، والغالب تكرر الإيلاجات  ، فلولا تداخل الحدود  هلك الزاني ، وإنما يجب تكررها إذا تخللت بين أسبابها ; لأن الأول : منها موجب لسببه السابق ، فلو اكتفينا به لأهملنا الجنابة فيكثر الفساد ، ولأنا علمنا أن الأول لم يف بزجره ، فحسن الثاني . 
الخامس : العدد يقع التداخل فيها على تفصيل نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى . 
السادس : الأموال كدية الأطراف مع النفس  إذا سرت الجراحة ، والصدقات في وطء الشبهات ، ويدخل المتقدم في المتأخر ، والمتأخر في المتقدم ، والطرفان في الوسط ، والقليل في الكثير ، والكثير في القليل . 
فالأول : نحو الأطراف مع النفس إذا سرت الجراحة ، والجنابة مع الحيض ، والوضوء مع الغسل ، والصداق المتقدم مع المتأخر إن اتحدت الشبهة مع أن الظاهر من المذهب اعتبار الحالة الأولى كيف كانت ; لأن الوجوب حصل عندها ، فلا ينتقل عنها ، والانتقال مذهب   الشافعي     . 
والثاني : نحو الحيض في الجنابة المتقدمة عليه ، والحدود المتأخرة مع المتقدم عليها من جنسها عددا ، والكفارات . 
 [ ص: 312 ] والثالث : نحو الموطوءة بالشبهة ، وكانت حالها الوسطى أعظم صداقا . 
والرابع : كالأصبع مع النفس إذا سرت الجراحة ، والصداق المتقدم والمتأخر إذا كان أقل ، والعمرة مع الحج ، والوضوء مع الغسل . 
والخامس : كالأطراف إذا اجتمعت مع النفس ، والحدود مع الحد الأول ، والكفارات ، والاغتسالات ، والوضوءات إذا تعددت أسبابها ، أو اختلفت . 
فرع : جوز في الكتاب أن يؤخر غسل رجليه من وضوئه حتى يفرغ الغسل فيغسلهما في مكان طاهر  ؛ لما في   البخاري  عن ميمونة  رضي الله عنها أدنيت له عليه السلام غسله من الجنابة ، فغسل كفيه مرتين ، أو ثلاثا ، ثم أدخل يده في الإناء ، ثم أفرغ بهما على فرجه ، وغسله بشماله ، ثم أفضى بيده إلى الأرض ، فدلكها دلكا شديدا ، ثم توضأ وضوءه للصلاة ، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ملء كفيه ، ثم غسل سائر جسده ، ثم تنحى عن مقامه ذلك ، فغسل رجليه ، ثم أتيته بالمنديل ، فرده ، ولأن البداءة لما كانت بأعضاء الوضوء لشرفها كان الختم بها شرفا ، وفضلا . 
قال صاحب الطراز : وعنه في المبسوط ليس العمل على تأخير غسل الرجلين ، فعلى هذا إذا أخرهما أعاد الوضوء ، وراعى في هذه الرواية الموالاة ، وراعى في الأولى تبعية الوضوء للغسل ، وأن الجميع عبادة واحدة ، فلا تفريق . 
وإذا قلنا يؤخر غسلهما ، فظاهر الرواية أنه يمسح على رأسه ، وقال  الباجي     : لا يمسح بل إذا غسل ذراعيه غرف على رأسه . 
وفي   البخاري  أنه عليه السلام غسل فرجه ، ثم تمضمض ، واستنشق ، وغسل وجهه ، ويديه ، ثم صب على رأسه ، وجسده ، وعلى كل تقدير ، فبأي نية يغسلهما قال صاحب الرسالة : ينوي بذلك الوضوء ، والغسل . قال صاحب الطراز : وعند  ابن القاسم  لا يحتاج إلى أن ينوي الوضوء . 
 [ ص: 313 ] واتفق الجميع على أنه لا يجزئه أن ينوي به تمام الوضوء دون غسله ; لأن المستحب لا يجزئ عن الواجب . 
وأما قوله في الحديث : ( يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره   ) ، فقال صاحب المنتقى : فيه مصالح : إحداها تسهيل إيصال الماء إلى البشرة ، وأصول الشعر  ، وهو مذكور في المختصر ، والواضحة ، وثانيها : مباشرة الشعر باليد على حسب الإمكان ، وقد أشار إليه مالك - رحمه الله تعالى - في المجموعة . 
وثالثها : تأنيس الجسد بالماء لئلا يقشعر فيمرض . 
قال  الباجي     : وقال  ابن القاسم  عن  مالك     : ليس عليه تخليل لحيته ; لأن الفرض قد انتقل إلى الشعر فيسقط إيصال الماء إلى البشرة ، ورواية  أشهب  أن ذلك عليه لقول عائشة  رضي الله عنها في الحديث : ( ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره   ) ، ولأن الأصل البشرة ، والفرق بين الجنابة ، والوضوء على رواية  أشهب  أن الطهارة الصغرى أقرب للتخفيف لجواز البدل فيها عن الغسل بالمسح على الخفين لغير ضرورة بخلاف الغسل .   
				
						
						
