ويتعلق الغرض ها هنا بأربعة أطراف : 
الأول : بآداب قضاء الحاجة  ، وهي ثلاثة عشر أدبا . 
الأول : من الجواهر : طلب مكان بعيد  ؛ لما في  أبي داود  كان عليه السلام إذا ذهب أبعد   . 
الثاني : قال : يستصحب ما يزيل به الأذى    . 
الثالث : قال : أن يتقي الملاعن  لقوله عليه السلام : ( اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله ، وما اللاعنان قال : الذي يتخلى في طريق الناس ، أو ظلهم   ) ويلحق بذلك مجالسهم ، والشجر لصيانة الثمر ، والأنهار لصيانة الموارد . 
 [ ص: 202 ] وسميت هذه ملاعن ، من باب تسمية المكان بما يقع فيه ، كتسمية الحرم حراما ، والبلد آمنا ، لما حل فيهما من تحريم الصيد ، وأمنه ، ولما كانت هذه المواضع يقع فيها لعن الفاعل الغائط من الناس سميت ملاعن . 
الرابع : قال : يجتنب الموضع الصلب  حذرا من الرشاش . 
الخامس : قال : يجتنب المياه الدائمة المحبوسة  ؛ لقوله عليه السلام في مسلم : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ثم يغتسل منه   ) ومحمله عند علمائنا على سد الذريعة عن فساده لئلا يتوالى ذلك فيفسد الماء على الناس . 
السادس : قال : تقديم الذكر قبل دخول محل الخلاء  ؛ لما في  أبي داود     : إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل : أعوذ بالله من الخبث والخبائث   . 
قال  الخطابي     : المحدثون يروون الخبث بإسكان الباء ، والصواب ضمها قال القاضي  عياض     : الحشوش بالحاء المهملة المضمومة ، وشينين معجمتين : المراحيض واحدها الحش ، وهو النخل المجتمع بضم الحاء وفتحها ، وكانوا يستترون بها قبل اتخاذ الكنف ، وأصلها من الحش بالفتح ، وهو الزبر يكتنف الكنف ، أو يبرز منه فيها ، ومعنى محتضرة : أي تحضرها الشياطين ، قال غيره : الخبث جمع خبيث ، والخبائث جمع خبيثة ، فأمر عليه السلام بالاستعاذة من ذكور الجن ، وإناثها قال   ابن الأعرابي     : والخبث بالضم لغة المكروه . 
يقول ذلك قبل دخوله إلى موضع الحدث ، أو بعد وصوله إن كان الموضع غير معد للحدث ، وقيل : يجوز ، وإن كان معدا له كما جرى الخلاف في جواز الاستنجاء بالخاتم مكتوبا فيه ذكر الله تعالى    . قال صاحب الطراز : جوز  مالك     - رحمه الله - أن يدخل الخلاء ، ومعه الدينار ، والدرهم مكتوبا عليه اسم الله تعالى ، وجوز الاستنجاء بالخاتم وفيه اسم الله تعالى ، وقال : لم يكن من مضى يتحرز منه . قال  ابن القاسم     : وأنا أستنجي به ، وفيه ذكر الله تعالى ، قال صاحب البيان : وهذا محمول من  ابن القاسم  على أنه كان يعسر قلعه ، وإلا فاللائق بورعه   [ ص: 203 ] غير هذا ، وكره ذلك  ابن حبيب  ، وهذا أحسن ؛ لكراهة  مالك     - رحمه الله - معاملة أهل الذمة بالدراهم ، والدنانير فيها اسم الله تعالى لنجاستهم ، وفي  الترمذي  كان عليه السلام إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ، وصححه  الترمذي ،  وضعفه  أبو داود  ، وفي الصحيحين النهي عن مس الذكر باليمنى ، وذكر الله تعالى أعظم من ذلك . 
السابع : قال : يديم الستر حتى يدنو من الأرض  لما في  الترمذي  أنه عليه السلام كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض   . ويروى أن الله تعالى أوحى لإبراهيم  عليه السلام إن استطعت ألا تنظر الأرض عورتك ، فافعل ، فاتخذ السراويل . 
الثامن : قال : يبول جالسا إن كان المكان طاهرا  ؛ لما في  الترمذي  قالت عائشة  رضي الله عنها : من حدثكم أنه عليه السلام كان يبول قائما فلا تصدقوه ، وما كان عليه السلام يبول إلا قاعدا ، ولأنه أبعد عن التنجيس ، فإن كان المكان رخوا نجسا ، فله أن يبول قائما ؛ لما في  مسلم  أنه عليه السلام أتى سباطة قوم خلف حائط ، فقام كما يقوم أحدكم ، فبال   . 
والسباطة موضع الزبالة ، ورمي القاذورات ، فلذلك بال عليه السلام قائما . 
التاسع : الصمت  ؛ لما في  أبي داود     : لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان ، فإن الله تعالى يمقت على ذلك . 
ولا يرد سلاما ؛ لما في  الترمذي  أنه عليه السلام مر عليه رجل ، وهو يبول ، فسلم ، فلم يرد عليه   . قال صاحب الطراز : وهذا يقتضي ألا يشمت عاطسا ، ولا يحمد إن عطس ، ولا يحاكي مؤذنا . 
العاشر : قال : يجتنب البول في الجحر  ؛ لما في  أبي داود     : نهى عليه السلام أن يبال في الجحر قيل : لأنها مساكن الجن ، وقيل : خشية أذية الهوام الخارجة منها إما بسمها ، وإما بتنفيرها إياه فيتنجس . 
الحادي عشر : قال : يجتنب المستحم  ؛ لما في  الترمذي :  أنه عليه السلام قال :   [ ص: 204 ]   ( لا يبولن أحدكم في مستحمه ، ثم يتوضأ فيه ، أو يغتسل منه ، فإن عامة الوسواس منه   ) . 
الثاني عشر : قال صاحب الطراز : كان عليه السلام إذا خرج من الخلاء قال : ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى ، وعافاني )  وربما قال : ( غفرانك ) رواه  أبو داود  قيل : استغفاره لترك الذكر حالة الحاجة ، وعادته الذكر دائما ، وقيل : إظهارا للعجز عن شكر النعم ، وقيل : لأن عادته الاستغفار حتى كان يحفظ عنه في المجلس الواحد مائة مرة ، فجرى على عادته . 
وورد على الأول : أن ترك الذكر في تلك الحالة طاعة تأبى الاستغفار ، وعلى الثاني : أن النعم في كل وقت معجوز عن شكرها ، فما وجه الاختصاص ؟ والصحيح الثالث . 
الثالث عشر : في الجواهر : يجتنب القبلة  ؛ لما في الموطأ من قوله عليه السلام : ( إذا أتيتم الغائط ، فلا تستقبلوا القبلة ، ولا تستدبروها ببول أو غائط ، ولكن شرقوا أو غربوا   ) فإن كان الموضع لا ساتر فيه ، ولا مراحيض ، فلا يجوز استقبالها ، ولا استدبارها ، وإن وجد الساتر والمراحيض جاز ذلك ؛ لما في الموطأ أن   ابن عمر  رضي الله عنهما رآه عليه السلام في بيت حفصة  مستدبرا الكعبة  مستقبلا بيت المقدس  ، فإن وجد المرحاض بغير سترة جاز كمرحاض السطوح لما فيه من الحاجة . 
قال  مالك     - رحمه الله - : ولم تعن هذه المراحيض بالحديث . 
ويسمى مرحاض السطوح كرياسا ، وما كان في الأرض كنيفا . 
وإن وجد الساتر بغير مرحاض جاز أيضا ؛ لما في  أبي داود  أن   ابن عمر  رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة ، ثم جلس يبول إليها ، فقيل له : أليس قد نهي عن هذا ، فقال : لا إنما نهي عن ذلك في الفضاء ، فإن كان بينك وبين   [ ص: 205 ] القبلة شيء يستر ، فلا بأس ، وقيل : لا يجوز ، والخلاف يخرج على علة هذا الحكم ، فقيل : إجلالا لجهة الكعبة  ؛ لما روى  البزار  عنه عليه السلام : من جلس يبول قبالة القبلة ، فذكر : فينحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له ، وقال   الشعبي     : ذلك لحرمة المصلين ، والحشوش لا يصلى فيها ، وهذا أولى لجمعه بين الحديثين . 
كشف : إباحة استقبال المشرق والمغرب بالبول  مخصوص ببلاد الشام  واليمن  ، وكل ما هو شمال البيت أو جنوبه ، فإن الشام  شماله ، واليمن  جنوبه فيكون البائل حينئذ يقابل البيت ، والمصلين بجنبه لا بعورته ، وهو المطلوب ، أما من كان المشرق والمغرب قبلته فينهى عن استقبالهما واستدبارهما ، ويباح الجنوب والشمال صونا لما أشار الشرع لصونه من الكعبة ، أو المصلين ، ومن قبلته النكباء التي بين الجنوب والصبا كبلاد مصر  يستقبل النكباء التي بين المغرب والجنوب أو يستدبرها ، وقس على ذلك سائر الجهات ، وصمم على أن الحديث خاص منبه ، وليس عاما للأقطار ، فإنه عليه الصلاة والسلام خاطب به أهل المدينة  ، وهم من أهل الشمال ، فكان الحديث موافقا لهم . 
تتميم : الرياح ثمانية : الصبا وهي الشرقية ، والدبور وهي الغربية ، والجنوب وهي القبلية وتسمى اليمانية ، والشمالية وهي التي تقابلها وتسمى بمصر  البحرية لكونها تأتي من جهة بحر الروم  ، وتسمى الجنوبية المريسية لكونها تمر على مريسة  من بلاد السودان  ، وكل ريح بين ريحين فهي نكباء ؛ لكونها نكبت عن مجرى جارتيها ، فالأصول أربعة ، والنواكب أربعة ، وتأتي تتمة ذلك في استقبال القبلة في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى . 
فرعان : 
الأول : قال صاحب الطراز : لا يكره استقبال بيت المقدس  ؛ لأنه ليس قبلة . 
 [ ص: 206 ] الثاني : قال  اللخمي     : الجماع كالبول بجامع كشف العورة ، وقيل : يجوز في الفلوات لعدم الفصلة ، وهي جزء العلة ، وقيل : إن كانا مكشوفين منع في الصحاري ، ويختلف في البيوت ، وإن كانا مستورين جاز في الموضعين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					