ابن كعب بن مالك ،  عن أبيه 
 الزهري ،  عن ابن كعب   . 
(  90  ) حدثنا  إسحاق بن إبراهيم الدبري  ، عن عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن  الزهري  ، قال : أخبرني ابن كعب بن مالك  ، عن أبيه ، قال : " لم أتخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك ،  إلا بدرا ،   ولم يعتب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا تخلف عن بدر ،  إنما خرج يريد العير ? فخرجت قريش  مغوثين لعيرهم ، فالتقوا عن غير موعد كما قال الله - تعالى - ، ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس لبدر ،  وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة ،  حيث توافينا على الإسلام " . 
: ثم لم أتخلف بعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك ،  وهي آخر غزوة غزاها ، وآذن النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس بالرحيل ، فأراد أن يتأهبوا أهبة غزوتهم ، وذلك حين طاب الظلال وطابت الثمار ، وكان قلما أراد غزوة إلا وارى خبرها ،  وكان يقول :  [ ص: 43 ]  " الحرب خدعة   " ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك  أن يتأهب الناس أهبة ، وأنا أيسر ما كنت ، قد جمعت راحلتين ، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفة الحاذ ، وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال وطيب الثمار ، فلم أزل كذلك حتى قام النبي - صلى الله عليه وسلم - غاديا بالغداة ، وذلك يوم الخميس ، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ، فأصبح غاديا . 
فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي ، ثم ألحق بهم ، فانطلقت إلى السوق من الغد ، فعسر علي بعض شأني ، فرجعت ، فقلت : أرجع غدا إن شاء الله ، فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذنب ، وتخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعلت أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة  فيحزنني أني لا أرى أحدا إلا رجلا تخلف مغموصا عليه في النفاق ، وكان ليس أحد تخلف إلا رأى أن ذلك سيخفى له ، وكان الناس كثيرا ، لا يجمعهم ديوان ، وكان جميع من تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضعة وثمانين رجلا ، ولم يذكرني النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك ،  فلما بلغ تبوك ،  قال : " ما فعل كعب بن مالك ؟   " ، قال رجل من قومي : خلفه يا نبي الله برداه ، والنظر في عطفيه ، فقال  معاذ بن جبل   : بئس ما قلت ، والله يا نبي الله ما نعلم إلا خيرا ، فبينما هم كذلك إذا هم برجل يزول به السراب ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كن أبا خيثمة   " ، فإذا هو أبو خيثمة ،  فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك ،  وقفل ودنا من المدينة ،  جعلت أتذكر بماذا أخرج من سخط النبي - صلى الله عليه وسلم - وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، حتى إذا قيل : النبي - صلى الله عليه وسلم - مصبحكم غدا بالغداة ، زاح عني الباطل ، وعرفت أني لا أنجو إلا بالصدق ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى ، فصلى في المسجد ركعتين ، وكان إذا جاء من سفر فعل ذلك ، أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم جلس فجعل يأتيه من  [ ص: 44 ] تخلف فيحلفون له ويعتذرون إليه فيستغفر لهم ، ويقبل علانيتهم ، ويكل أسرارهم إلى الله ، فدخلت المسجد فإذا هو جالس ، فلما رآني تبسم تبسم المغضب ، فجئت فجلست بين يديه ، فقال : " ألم تكن ابتعت ظهرك ؟ " ، فقلت : بلى يا نبي الله ، قال : " فما خلفك ؟ " ، قلت : والله لو بين أيدي أحد من الناس غيرك جلست خرجت من سخطته علي بعذر ، ولقد أوتيت جدلا ، ولكن قد علمت يا نبي الله أني إن أخبرتك اليوم بقول تجد علي فيه وهو حق ، فإني أرجو عقبى الله ، وإن حدثتك اليوم حديثا ترضى عني فيه وهو كذب أوشك الله أن يطلعك علي ، والله يا نبي الله ما كنت قط أيسر ، ولا أخف حاذا مني حين تخلفت عنك ، قال : " أما هذا فقد صدقكم الحديث ، قم حتى يقضي الله فيك " ، فقمت فثار على أثري ناس من قومي يؤنبوني ، فقالوا : والله ما نعلمك أذنبت ذنبا قط قبل هذا ، فهلا اعتذرت إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعذر يرضى عنك ، وكان استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيأتي من وراء ذلك ، ولم تقف نفسك موقفا لا تدري ما يقضى لك فيه ؟ ، فلم يزالوا يؤنبوني حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ، فقلت : هل قال هذا القول أحد غيري ؟ ، قالوا : نعم ، قاله هلال بن أمية ،   ومرارة بن ربيعة ،   فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا ،  لي فيهما أسوة ، فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا أكذب نفسي ، قال : ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة ، قال : فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلمني أحد ، وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذين نعرف ، وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ، وتنكرت لنا الأرض حتى ما هي بالأرض التي نعرف ، وكنت أقوى أصحابي ، فكنت أخرج فأطوف في السوق وآتي المسجد فأدخل ، وآتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه فأقول : هل حرك شفتيه بالسلام ؟ ، فإذا قمت أصلي إلى سارية فأقبلت قبل صلاتي نظر إلي  [ ص: 45 ] بمؤخر عينيه ، وإذا نظرت إليه أعرض عني ، قال : واستكان صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان رءوسهما ، فبينما أنا أطوف في السوق إذا رجل نصراني جاء بطعام له يبيعه يقول : من يدلني على كعب بن مالك ؟ ،  فطفق الناس يشيرون له إلي ، وأتاني بصحيفة من ملك غسان ،  فإذا فيها : أما بعد ، فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك ، وأقصاك ، ولست بدار مضيعة ، ولا هوان ، فالحق بنا نواسك ، فقلت : هذا أيضا من البلاء والشر فسجرت لها التنور وأحرقتها فيه ، فلما مضت أربعون ليلة إذا رسول من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أتاني ، فقال : اعتزل امرأتك ، فقلت : أطلقها ؟ ، قال : لا ، ولكن لا تقربها ، فجاءت امرأة هلال بن أمية ،  فقالت : يا رسول الله إن هلال بن أمية  شيخ كبير ضعيف ، فهل تأذن لي أن أخدمه ؟ ، قال : " نعم ، ولكن لا يقربنك " ، قالت : يا نبي الله والله ما به من حركة لشيء ، ما زال متكئا يبكي الليل والنهار منذ كان من أمره ما كان ، قال كعب   : فلما طال علي البلاء اقتحمت على أبي قتادة  حائطه ، وهو ابن عمي ، فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فقلت : أنشدك الله يا أبا قتادة  هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ ، فسكت ، ثم قلت أيضا : أنشدك الله يا أبا قتادة  أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ ، فسكت ، ثم قلت : أنشدك الله يا أبا قتادة  أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ ، قال : الله ورسوله أعلم ، فلم أملك نفسي أن بكيت ، ثم اقتحمت الحائط خارجا حتى إذا مضت خمسون ليلة من حين نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس عن كلامنا ، صليت على ظهر بيت لنا صلاة الفجر ، ثم جلست وأنا في المنزلة التي قال الله - عز وجل - : قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا ، إذ سمعت نداء من ذروة سلع   : أن أبشر يا  كعب بن مالك  فخررت ساجدا ، وعرفت أن الله - عز وجل - قد جاء بالفرج ، ثم جاء رجل يركض على فرس يبشرني ، فكان الصوت أسرع من فرسه ، فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين ، قال : وكانت توبتنا أنزلت على النبي - صلى  [ ص: 46 ] الله عليه وسلم - ثلث الليل ، فقالت  أم سلمة :  يا نبي الله ألا نبشر كعب بن مالك ؟ ،  قال : " إذن يحطمنكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليلة " ، قال : وكانت  أم سلمة  محسنة في شأني تحزن بأمري ، فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون ، وهو يستنير كاستنارة القمر ، وكان إذا سر بالأمر استنار ،  فجئت حتى جلست بين يديه ، فقال : " أبشر يا  كعب بن مالك  بخير يوم أتى عليك من يوم ولدتك أمك " ، قلت : يا نبي الله أمن عند الله أم من عندك ؟ ، قال : " بل من عند الله " ، ثم تلا عليهم : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار   ، حتى بلغ التواب الرحيم  ، وقال : وفينا أنزلت أيضا : اتقوا الله وكونوا مع الصادقين  ، قال : قلت : يا نبي الله إن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله ، فقال : " أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك " ، قال : قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر ،  قال : فما أنعم الله علي نعمة في الإسلام أعظم من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صدقته أنا وصاحباي أن لا نكون كذبناه فهلكنا كما هلكوا ، وإني لأرجو أن لا يكون الله ابتلى أحدا في الصدق مثل الذي ابتلاني به ، فما تعمدت بكذبة بعد ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . قال معمر   : قال  الزهري   : " فهذا ما انتهى إلينا من حديث  كعب بن مالك   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					