تعبير الرؤيا
قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ، فإذا عبرت وقعت .
قالوا : كيف تكون الرؤيا على رجل طائر ؟ وكيف تتأخر عما تبشر به أو تنذر منه بتأخر العبارة لها وتقع إذا عبرت ؟ وهذا يدل على أنها إن لم تعبر لم تقع .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب ، وهم يقولون للشيء إذا لم يستقر : هو على رجل طائر ، وبين مخاليب طائر ، وعلى قرن ظبي ، يريدون أنه لا يطمئن ولا يقف . قال رجل في الحجاج بن يوسف :
كأن فؤادي بين أظفار طائر من الخوف في جو السماء محلق حذار امرئ قد كنت أعلم أنه
متى ما يعد من نفسه الشر يصدق
كأن قلوب أدلائها معلقة بقرون الظباء
يريد أنها تنزو وتجب ، فكأنها معلقة بقرون الظباء ؛ لأن الظباء لا تستقر ، وما كان على قرونها فهو كذلك ، وقال امرؤ القيس :
ولا مثل يوم في قدار ظللته كأني وأصحابي على قرن أعفرا
[ ص: 485 ] ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول ؛ لأن أكثرها أضغاث أحلام ، فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة ، ومنها ما يكون عن حديث النفس ، ومنها ما يكون من الشيطان ، وإنما تكون الصحيحة التي يأتي بها الملك ملك الرؤيا ، عن نسخة أم الكتاب في الحين بعد الحين .
قال أبو محمد : حدثني يزيد بن عمرو بن البراء قال : حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال : حدثنا قرة بن خالد قال : سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا ثلاثة : فرؤيا بشرى من الله تعالى ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا يحدث بها الإنسان نفسه فيراها في النوم .
وحدثني سهل بن محمد قال : حدثنا الأصمعي ، عن أبي المقدام ، أو قرة بن خالد قال : كنت أحضر ابن سيرين يسأل عن الرؤيا ، فكنت أحزره يعبر من كل أربعين واحدة أو قال : أحزوه .
وهذه الصحيحة هي التي تجول حتى يعبرها العالم بالقياس الحافظ للأصول الموفق للصواب ، فإذا عبرها وقعت كما عبر .


