غزوة الفتح  
 9739  عبد الرزاق  ، عن  معمر  ، عن  عثمان الجزري  ، عن  مقسم  قال  معمر     : وكان يقال  لعثمان الجزري  المشاهد عن  مقسم مولى ابن عباس  قال :  لما كانت المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين  قريش   زمن  الحديبية   وكانت سنين ذكر أنها كانت حرب بين  بني بكر   وهم حلفاء  قريش   ، وبين  خزاعة   وهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعانت  قريش   حلفاءه على  خزاعة   فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :    " والذي نفسي بيده لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي وأهل بيتي "   وأخذ في الجهاز إليهم ، فبلغ ذلك  قريشا   فقالوا  لأبي سفيان     : ما تصنع وهذه الجيوش تجهز إلينا ؟ انطلق فجدد بيننا وبين  محمد   كتابا ، وذلك مقدمه من  الشام   فخرج  أبو سفيان  حتى قدم  المدينة   ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلم فلنجدد بيننا وبينك كتابا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فنحن على أمرنا الذي كان ، وهل أحدثتم من حدث ؟ " فقال  أبو سفيان     : لا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فنحن على      [ ص: 375 ] أمرنا الذي كان بيننا " ، فجاء   علي بن أبي طالب  فقال : هل لك على أن تسود العرب ، وتمن على قومك فتجيرهم ، وتجدد لهم كتابا ؟ فقال : ما كنت لأفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ، ثم دخل على  فاطمة  فقال : هل لك أن تكوني خير سخلة في العرب ؟ أن تجيري بين الناس ، فقد أجارت أختك على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها   أبا العاص بن الربيع  فلم يغير ذلك ، فقالت  فاطمة     : ما كنت لأفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ، ثم قال ذلك  للحسن  والحسين     : أجيرا بين الناس قولا : نعم ، فلم يقولا شيئا ، ونظرا إلى أمهما وقالا : نقول ما قالت أمنا ، فلم ينجح من واحد منهم ما طلب ، فخرج حتى قدم على  قريش   فقالوا : ماذا جئت به ؟ قال : جئتكم من عند قوم قلوبهم على قلب واحد ، والله ما تركت منهم صغيرا ولا كبيرا ، ولا أنثى ، ولا ذكرا ، إلا كلمته ، فلم أنجح منهم شيئا قالوا : ما صنعت شيئا ارجع فرجع وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد  قريشا   ، حتى إذا كان ببعض الطريق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لناس من  الأنصار      : " انظروا  أبا سفيان  فإنكم ستجدونه " ، فنظروه فوجدوه ، فلما دخل العسكر جعل المسلمون يجأونه ، ويسرعون إليه ، فنادى :      [ ص: 376 ] يا  محمد   إني لمقتول ، فأمر بي إلى  العباس  ، وكان  العباس  له خدنا وصديقا في الجاهلية ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم إلى  العباس  ، فبات عنده ، فلما كان عند صلاة الصبح ، وأذن المؤذن ، تحرك الناس ، فظن أنهم يريدونه قال : يا  عباس  ما شأن الناس ؟ قال : تحركوا للمنادي للصلاة قال : فكل هؤلاء إنما تحركوا لمنادي  محمد   صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم قال : فقام  العباس  للصلاة وقام معه ، فلما فرغوا قال : يا  عباس  ما يصنع  محمد   شيئا إلا صنعوا مثله ؟ قال : نعم ، ولو أمرهم أن يتركوا الطعام والشراب حتى يموتوا جوعا لفعلوا ، وإني لأراهم سيهلكون قومك غدا ، قال يا  عباس  فادخل بنا عليه فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة من أدم ،   وعمر بن الخطاب  خلف القبة ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الإسلام ، فقال  أبو سفيان     : كيف أصنع بالعزى ؟ فقال  عمر  من خلف القبة : تخرأ عليها فقال : وأبيك إنك لفاحش ، وإني لم آتك يا  ابن الخطاب  إنما جئت لابن عمي ، وإياه أكلم قال : فقال  العباس     : يا رسول الله إن  أبا سفيان  رجل من أشراف قومنا ، وذوي أسنانهم ، وأنا أحب أن تجعل له شيئا يعرف ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار  أبي سفيان  فهو آمن " قال : فقال  أبو سفيان     : أداري ؟ أداري ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم ، ومن وضع سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن " ، فانطلق مع  العباس  حتى إذا كان ببعض الطريق فخاف منه  العباس  بعض الغدر فجلسه على أكمة حتى مرت به      [ ص: 377 ] الجنود قال : فمرت به كبكبة فقال : من هؤلاء يا  عباس  ؟ فقال : هذا   الزبير بن العوام  على المجنبة اليمنى قال : ثم مرت كبكبة أخرى فقال : من هؤلاء يا  عباس  ؟ قال : هم  قضاعة   وعليهم   أبو عبيدة بن الجراح  قال : ثم مرت به كبكبة أخرى ، فقال : من هؤلاء يا  عباس  ؟ قال : هذا   خالد بن الوليد  على المجنبة اليسرى قال : ثم مرت به قوم يمشون في الحديد فقال : من هؤلاء يا  عباس  ؟ التي كأنها حرة سوداء قال : هذه  الأنصار   عندها الموت الأحمر فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  والأنصار   حوله ، فقال :  أبو سفيان  سر يا  عباس  فلم أر كاليوم صباح قوم في ديارهم قال : ثم انطلق فلما أشرف على  مكة   نادى وكان شعار  قريش   يا آل غالب أسلموا تسلموا ، فلقيته امرأته  هند  فأخذت بلحيته وقالت : يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق ، فإنه قد صبأ ، فقال : والذي نفسي بيده لتسلمن أو ليضربن عنقك قال : فلما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على  مكة   كف الناس أن يدخلوها حتى يأتيه رسول  العباس  ، فأبطأ عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لعلهم يصنعون  بالعباس  ما صنعت  ثقيف   بعروة بن مسعود  ، فوالله إذا لا أستبقي منهم أحدا " قال : ثم جاءه رسول  العباس  فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أصحابه بالكف فقال : " كفوا السلاح إلا  خزاعة   عن بكر ساعة " ، ثم أمرهم فكفوا ، فأمن الناس كلهم [ إلا ]  ابن أبي سرح  ،  وابن خطل  ومقيسا الكناني   [ ص: 378 ] وامرأة أخرى ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لم أحرم  مكة   ولكن حرمها الله ، وإنها لم تحلل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي إلى يوم القيامة ، وإنما أحلها الله [ لي ] في ساعة من نهار " .  
قال : ثم جاءه   عثمان بن عفان  بابن أبي سرح  فقال : بايعه يا رسول الله فأعرض عنه ، ثم جاء من ناحية أخرى فأعرض عنه ، ثم جاءه أيضا فقال : بايعه يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أعرضت عنه ، وإني لأظن بعضكم سيقتله " فقال رجل من  الأنصار      : فهلا أومضت إلي يا رسول الله قال : " إن  النبي لا يومض      " وكأنه رآه غدرا     .  
قال   الزهري     :  فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم   خالد بن الوليد  فقاتل بمن معه صفوف  قريش   بأسفل  مكة   حتى هزمهم الله   ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع عنهم ، فدخلوا في الدين ، فأنزل الله  إذا جاء نصر الله والفتح   حتى ختمها     .  
قال  معمر     : قال   الزهري  ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من  قريش   وهي  كنانة   ومن أسلم يوم الفتح قبل  حنين   ،  وحنين   واد في قبل  الطائف   ذو مياه ، وبه من المشركين يومئذ عجز  هوازن   ومعهم  ثقيف   ، ورأس المشركين يومئذ  مالك بن عوف النضري  ، فاقتتلوا  بحنين   ، فنصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وكان يوما شديدا      [ ص: 379 ] على الناس ، فأنزل الله  لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين   الآية     .  
قال  معمر     : قال   الزهري     : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم فلذلك بعث   خالد بن الوليد  يومئذ .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					