[ ص: 168 ] ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته ، ولكنه يحدث به الناس حديثا ، ويبين لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه .  
فصل .  
[  كيفيات الوحي      ] .  
وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات :  
إحداها : أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس ، كما في الصحيح .  
وفي مسند  أحمد ،  عن  عبد الله بن عمر     : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تحس بالوحي فقال : أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض     .  
قال  الخطابي     : والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد . وقيل : هو صوت خفق أجنحة الملك . والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي ، فلا يبقى فيه مكانا لغيره . وفي الصحيح أن هذه الحالة  أشد حالات الوحي   عليه . وقيل : إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد .  
الثانية : أن ينفث في روعه الكلام نفثا ، كما قال - صلى الله عليه وسلم -  إن روح القدس نفث في روعي  أخرجه  الحاكم     . وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها ، بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه .  
الثالثة : أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه ، كما في الصحيح  وأحيانا يتمثل لي الملك      [ ص: 169 ] رجلا فيكلمني فأعي ما يقول     . زاد  أبو عوانة  في صحيحه : " وهو أهونه علي " .  
الرابعة : أن يأتيه الملك في النوم ، وعد من هذا قوم سورة الكوثر ، وقد تقدم ما فيه .  
الخامسة : أن يكلمه الله إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء ، أو في النوم ، كما في حديث  معاذ  أتاني ربي فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى . . .  الحديث . وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم . نعم يمكن أن يعد منه آخر سورة البقرة لما تقدم وبعض سورة الضحى وألم نشرح ; فقد أخرج   ابن أبي حاتم  من حديث   عدي بن ثابت  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  سألت ربي مسألة ، وددت أني لم أكن سألته قلت : أي رب ، اتخذت  إبراهيم   خليلا ، وكلمت  موسى   تكليما ؟ فقال : يا  محمد   ، ألم أجدك يتيما فآويت ، وضالا فهديت ، وعائلا فأغنيت ، وشرحت لك صدرك ، وحططت عنك وزرك ، ورفعت لك ذكرك ، فلا أذكر إلا ذكرت معي !     .  
فائدة : أخرج   الإمام أحمد  في تاريخه من طريق   داود بن أبي هند ،  عن   الشعبي  قال :      [ ص: 170 ] أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - النبوة وهو ابن أربعين سنة   ، فقرن بنبوته  إسرافيل   ثلاث سنين ، فكان يعلمه الكلمة والشيء ، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه ، فلما مضت ثلاث سنين ، قرن بنبوته  جبريل   ، فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة .  
قال   ابن عساكر     : والحكمة في توكيل  إسرافيل   به أنه الموكل بالصور الذي فيه هلاك الخلق وقيام الساعة ، ونبوته - صلى الله عليه وسلم - مؤذنة بقرب الساعة وانقطاع الوحي ، كما وكل  بذي القرنين  ريافيل   الذي يطوي الأرض ،  وبخالد بن سنان  مالك   خازن النار .  
وأخرج   ابن أبي حاتم ،  عن  ابن سابط  قال : " في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة ، فوكل ثلاثة بحفظه إلى يوم القيامة من الملائكة ، فوكل  جبريل   بالكتب والوحي إلى الأنبياء ، وبالنصر عند الحروب ، وبالمهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوما ، ووكل  ميكائيل   بالقطر ، والنبات ، ووكل ملك الموت بقبض الأنفس ، فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء " .  
وأخرج - أيضا -  عن   عطاء بن السائب  ، قال :  أول ما يحاسب  جبريل    ، لأنه كان أمين الله على رسله     .  
فائدة ثانية : أخرج  الحاكم  ،  والبيهقي ،  عن   زيد بن ثابت     : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  أنزل القرآن بالتفخيم كهيئته  عذرا أو نذرا      [ المرسلات : 6 ] و ( الصدفين ) و  ألا له الخلق والأمر      [ الأعراف : 54 ] وأشباه هذا     .  
 [ ص: 171 ] قلت : أخرجه   ابن الأنباري  في كتاب " الوقف والابتداء " فبين أن المرفوع منه " أنزل القرآن بالتفخيم " فقط ، وأن الباقي مدرج من كلام  عمار بن عبد الملك  ، أحد رواة الحديث .  
فائدة أخرى : أخرج   ابن أبي حاتم ،  عن   سفيان الثوري ،  قال : لم ينزل وحي إلا بالعربية ، ثم ترجم كل نبي لقومه     .  
فائدة أخرى : أخرج  ابن سعد ،  عن  عائشة  ، قالت :  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي يغط في رأسه ، ويتربد وجهه ، أي : يتغير لونه بالجريدة ويجد بردا في ثناياه ، ويعرق حتى يتحدر منه مثل الجمان     .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					