[ ص: 79 ] القول الثاني : في المراد بالإحصار  أنه يشمل ما كان من عدو ونحوه ، وما كان من مرض ونحوه ، من جميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم . وممن قال بهذا القول  ابن مسعود  ومجاهد  وعطاء  وقتادة   وعروة بن الزبير   وإبراهيم النخعي  وعلقمة   والثوري  والحسن   وأبو ثور  وداود  وهو مذهب أبي حنيفة    . وحجة هذا القول من جهة شموله لإحصار العدو قد تقدمت في حجة الذي قبله . 
وأما من جهة شموله للإحصار بمرض فهي ما رواه  الإمام أحمد  وأصحاب السنن الأربعة  وابن خزيمة  والحاكم  والبيهقي  ، عن عكرمة  ، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري    - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه حجة أخرى   " فذكرت ذلك  لابن عباس  ،  وأبي هريرة  فقالا : صدق . 
وفي رواية لأبي داود   وابن ماجه    : " من عرج ، أو كسر ، أو مرض " فذكر معناه . 
وفي رواية ذكرها أحمد  في رواية المروزي    : " من حبس بكسر أو مرض " هذا الحديث سكت عليه أبو داود  ، والمنذري  ، وحسنه الترمذي    . 
وقال النووي  في " شرح المهذب " بعد أن ساق حديث عكرمة  هذا : رواه أبو داود   والترمذي   والنسائي   وابن ماجه  والبيهقي  وغيرهم بأسانيد صحيحة ، وبهذا تعلم قوة حجة أهل هذا القول ، ورد المخالفون الاحتجاج بحديث عكرمة  هذا من وجهين : الأول : ما ذكره البيهقي  في " السنن الكبرى " قال : وقد حمله بعض أهل العلم إن صح على أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض . فقد روينا عن  ابن عباس  ثابتا عنه ، قال : لا حصر إلا حصر عدو ، والله أعلم . انتهى منه بلفظه . 
الوجه الثاني : هو حمل حله المذكور في الحديث على ما إذا اشترط في إحرامه أنه يحل حيث حبسه الله بالعذر ، والتحقيق : جواز الاشتراط في الحج بأن يحرم ويشترط أن محله حيث حبسه الله  ، ولا عبرة بقول من منع الاشتراط ; لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
فقد أخرج الشيخان ، عن عائشة    - رضي الله عنها - أنها قالت : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على  ضباعة بنت الزبير  ، فقال لها : " لعلك أردت الحج ؟ " قالت : والله ما أجدني إلا وجعة . فقال لها : " حجي واشترطي ، وقولي : اللهم محلي حيث حبستني   " وكانت تحت  المقداد بن الأسود    . 
 [ ص: 80 ] وقد أخرج مسلم  في " صحيحه " وأحمد  وأصحاب السنن الأربعة ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما : أن  ضباعة بنت الزبير  قالت : يا رسول الله إني امرأة ثقيلة ، وإني أريد الحج فكيف تأمرني أأهل ؟ قال : " أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني " ، قال : فأدركت   . 
 وللنسائي  في رواية : وقال : " فإن لك على ربك ما استثنيت " . 
				
						
						
