مسائل تتعلق بالاضطرار إلى أكل الميتة 
المسألة الأولى : أجمع العلماء على أن المضطر له أن يأكل من الميتة ما يسد رمقه ويمسك حباته  ، وأجمعوا أيضا على أنه يحرم عليه ما زاد على الشبع ، واختلفوا في نفس الشبع هل له أن يشبع من الميتة أو ليس له مجاوزة ما يسد الرمق ، ويأمن معه الموت . 
 [ ص: 63 ] فذهب مالك    - رحمه الله تعالى - إلى أن له أن يشبع من الميتة ، ويتزود منها ، قال في " موطئه " : إن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة ، أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها ، فإن وجد عنها غنى طرحها . 
قال  ابن عبد البر    : حجة مالك  أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة ، فإذا كانت حلالا له أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها فتحرم عليه ، وذهب  ابن الماجشون  ، وابن حبيب  من المالكية إلى أنه ليس له أن يأكل منها إلا قدر ما يسد الرمق ويمسك الحياة ، وحجتهما : أن الميتة لا تباح إلا عند الضرورة ، وإذا حصل سد الرمق انتفت الضرورة في الزائد على ذلك . 
وعلى قولهما درج خليل بن إسحاق المالكي  في " مختصره " حيث قال : وللضرورة ما يسد غير آدمي . 
وقال ابن العربي    : ومحل هذا الخلاف بين المالكية فيما إذا كانت المخمصة نادرة ، وأما إذا كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها . 
ومذهب  الشافعي  على القولين المذكورين عن المالكية ، وحجتهما في القولين كحجة المالكية فيهما ، وقد بيناها . والقولان المذكوران مشهوران عند الشافعية . 
واختار المزني  أنه لا يجاوز سد الرمق ، ورجحه القفال وكثيرون . 
وقال النووي    : إنه الصحيح . ورجح  أبو علي الطبري  في الإفصاح ،  والروياني  وغيرهما حل الشبع ، قاله النووي  أيضا . 
وفي المسألة قول ثالث للشافعية وهو : أنه إن كان بعيدا من العمران حل الشبع وإلا فلا ، وذكر  إمام الحرمين  ،  والغزالي  تفصيلا في المسألة ، وهو : أنه إن كان في بادية وخاف إن ترك الشبع ألا يقطعها ويهلك  ، وجب القطع بأنه يشبع ، وإن كان في بلد وتوقع طعاما طاهرا قبل عود الضرورة  وجب القطع بالاقتصار على سد الرمق ، وإن كان لا يظهر حصول طعام طاهر وأمكن الحاجة إلى العود إلى أكل الميتة مرة بعد أخرى إن لم يجد الطاهر ، فهذا محل الخلاف . 
قال النووي    : وهذا التفصيل الذي ذكره الإمام  والغزالي  تفصيل حسن وهو الراجح ، وعن  الإمام أحمد    - رحمه الله - في هذه المسألة روايتان أيضا . 
 [ ص: 64 ] قال  ابن قدامة  في المغني : وفي الشبع روايتان : أظهرهما : لا يباح وهو قول أبي حنيفة  ، وإحدى الروايتين عن مالك  ، وأحد القولين  للشافعي    . 
قال الحسن    : يأكل قدر ما يقيمه ; لأن الآية دلت على تحريم الميتة ، واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة فلم يحل له الأكل كحالة الابتداء . ولأنه بعد سد الرمق غير مضطر فلم يحل له الأكل للآية . يحققه : أنه بعد سد رمقه كهو قبل أن يضطر ، وثم لم يبح له الأكل كذا هاهنا . 
والثانية : يباح له الشبع . اختارها أبو بكر    ; لما روى  جابر بن سمرة  أن رجلا نزل الحرة ، فنفقت عنده ناقة ، فقالت له امرأته : أسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله . فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله فقال : " هل عندك غنى يغنيك " ؟ قال : لا . قال : " فكلوها "، ولم يفرق رواه أبو داود    . 
ويدل له أيضا حديث الفجيع العامري  عنده : أن النبي أذن له في الميتة مع أنه يغتبق ويصطبح ، فدل على أخذ النفس حاجتها من القوت منها ; ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح  ، ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة ، وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال ، فما كانت مستمرة كحالة الأعرابي الذي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز الشبع ; لأنه إذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب ، ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه ، وربما أدى ذلك إلى تلفه ، بخلاف التي ليست مستمرة ، فإنه يرجو الغنى عنها بما يحل والله أعلم . انتهى من المعنى بلفظه . 
وقال  إمام الحرمين    : وليس معنى الشبع أن يمتلئ حتى لا يجد مساغا ، ولكن إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطلق عليه اسم جائع أمسك . ا ه . قاله النووي    . 
				
						
						
