[ ص: 507 ] تنبيه 
من قال : لا زكاة في الرمان ، وهم جمهور العلماء ، ومن قال : لا زكاة في الزيتون ، يلزم على قول كل منهم أن تكون الآية التي نحن بصددها التي هي قوله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده  ، منسوخة أو مرادا بها غير الزكاة ; لأنها على تقدير أنها محكمة ، وأنها في الزكاة المفروضة ، لا يمكن معها القول بعدم زكاة الزيتون والرمان    ; لأنها على ذلك صريحة فيها ; لأن المذكورات في قوله تعالى : والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه  ، يرجع إلى كلها الضمير في قوله : كلوا من ثمره    [ 6 \ 141 ] ، وقوله : وآتوا حقه يوم حصاده  ، كما هو واضح لا لبس فيه . فيدخل فيه الزيتون والرمان دخولا أوليا لا شك فيه ، فقول أكثر أهل العلم بعدم الزكاة في الرمان يقوي القول بنسخ الآية ، أو أنها في غير الزكاة المفروضة ، والله تعالى أعلم ، وعنأبي يوسف    : أنه أوجب الزكاة في الحناء ، واعلم أن مذهب  داود بن علي الظاهري  في هذه المسألة قوي جدا من جهة النظر ; لأنه قال : ما أنبتته الأرض ضربان : موسق ، وغير موسق ، فما كان موسقا وجبت الزكاة فيما بلغ منه خمسة أوسق ; لقوله - صلى الله عليه وسلم :   " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة  ولا زكاة فيما دونها منه " ، وما كان غير موسق ففي قليله وكثيره الزكاة ; لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم : " فيما سقت السماء العشر " ، ولا يخصص بحديث :   " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "   ; لأنه غير موسق أصلا . 
قال مقيده - عفا الله عنه : وهذا القول هو أسعد الأقوال بظاهر النصوص وفيه نوع من الجمع بينها ، إلا أنه يرد عليه ما قدمنا من أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض للخضراوات مع كثرتها في المدينة ، ولا الفواكه مع كثرتها بالطائف ، ولو كان العموم شاملا لذلك لبينه - صلى الله عليه وسلم - وإذا عرفت كلام العلماء في تعيين ما تجب فيه الزكاة ، وأدلة أقوالهم مما ذكرنا . 
فاعلم أن جمهور العلماء قالوا : لا تجب الزكاة إلا في خمسة أوسق فصاعدا ; لقوله - صلى الله عليه وسلم :   " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " الحديث . أخرجه الشيخان من حديث  أبي سعيد الخدري    - رضي الله عنه - ومسلم من حديث جابر    - رضي الله عنه . 
وممن قال بهذا الأئمة الثلاثة : مالك  ،  والشافعي  ، وأحمد    - رحمهم الله - وأصحابهم ، وهو قول  ابن عمر  ، وجابر  ،  وأبي أمامة بن سهل  ،  وعمر بن عبد العزيز  ،  وجابر بن زيد  ، والحسن  ، وعطاء  ، ومكحول  ، والحكم  ، والنخعي  ، وأهل المدينة   ،  والثوري   والأوزاعي  ، وابن أبي   [ ص: 508 ] ليلى  ، وأبي يوسف  ، ومحمد  ، وسائر أهل العلم ، كما نقله عنهم  ابن قدامة  وغيره . 
وقال  ابن قدامة  في " المغني " : لا نعلم أحدا خالف فيه إلا  أبا حنيفة  ، ومن تابعه ، ومجاهدا  ، وقد أجمع جميع العلماء على أن الوسق ستون صاعا ، وهو بفتح الواو وكسرها والفتح أشهر وأفصح ، وقيل : هو بالكسر اسم وبالفتح مصدر ، ويجمع على أوسق في القلة وأوساق ، وعلى وسوق في الكثرة . واعلم أن الصاع أربعة أمداد بمده - صلى الله عليه وسلم - والمد بالتقريب : ملء اليدين المتوسطتين ، لا مقبوضتين ولا مبسوطتين ، وتحديده بالضبط وزن رطل وثلث بالبغدادي ، فمبلغ الخمسة الأوسق من الأمداد ألف مد ومائتا مد ، ومن الصيعان ثلاثمائة ، وهي بالوزن ألف رطل وستمائة رطل ، والرطل : وزن مائة وثمانية وعشرين درهما مكيا ، وزاد بعض أهل العلم أربعة أسباع درهم ، كل درهم وزن خمسين وخمسي حبة من مطلق الشعير ، كما حرره علماء المالكية ، ومالك    - رحمه الله - من أدرى الناس بحقيقة المد والصاع كما هو معلوم ، وقيل فيه غير ما ذكرنا . 
وأما الحكم الثالث من أحكام هذه المسألة الثالثة المذكورة في أول هذا المبحث ، وهو تعيين القدر الواجب إخراجه ، فلا خلاف فيه بين العلماء وهو العشر فيما ليس في سقيه مشقة ، كالذي يسقيه المطر ، أو النهر ، أو عروقه في الأرض ، وأما ما يسقى بالآلة كالذي يسقى بالنواضح ففيه نصف العشر  ، وهذا ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر  ،  وابن عمر  ، فإن سقى تارة بمطر السماء مثلا ، وتارة بالسانية فإن استويا فثلاثة أرباع العشر ، بلا خلاف بين العلماء ، وإن كان أحد الأمرين أغلب فقيل : يغلب الأكثر ويكون الأقل تبعا له ، وبه قال أحمد  ، وأبو حنيفة  ،  والثوري  ، وعطاء  ، وهو أحد قولي  الشافعي  ، وقيل : يؤخذ بالتقسيط ، وهذان القولان كل منهما شهره بعض المالكية ، وحكى بعضهم رواية عن مالك    : أن المعتبر ما حيي به الزرع وتم ، وممن قال بالتقسيط من الحنابلة : ابن حامد  ، فإن جهل المقدار وجب العشر احتياطا ، كما نص عليه الإمام  أحمد بن حنبل    - رحمه الله - في رواية عبد الله  ، قاله في " المغني " ; وعلله بأن الأصل وجوب العشر وإنما يسقط نصفه بتحقق الكلفة ، وإذا لم يتحقق المسقط وجب البقاء على الأصل وهو ظاهر جدا . وإن اختلف الساعي ورب المال في أيهما سقى به أكثر ؟ فالقول قول رب المال بغير يمين ; لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم ، ولا وقص في الحبوب والثمار ، بل كل ما زاد على النصاب أخرج منه بحسبه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					