واختلف قول  الشافعي    - رحمه الله - أيضا في الورس  ، فقال في القديم : تجب فيه الزكاة ، لما روي أن  أبا بكر الصديق    - رضي الله عنه - كتب إلى بني خفاش  ، أن أدوا زكاة الذرة والورس ، وقال في الجديد : لا زكاة فيه ; لأنه نبت لا يقتات ، فأشبه الخضراوات ، وقال  الشافعي    - رحمه الله - من قال : لا عشر في الورس لم يوجب في الزعفران ، ومن قال : يجب في الورس ، فيحتمل أن يوجب في الزعفران ; لأنهما   [ ص: 499 ] طيبان ، ويحتمل ألا يوجب في الزعفران ، ويفرق بينهما بأن الورس شجر له ساق ، والزعفران نبات ، واختلف قوله أيضا في العسل فقال في القديم : يحتمل أن تجب فيه ، ووجهه ما روي أن بني شبابة    " بطن من فهم " كانوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحل كان عندهم العشر ، من عشر قرب قربة ، وقال في الجديد : لا تجب ; لأنه ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالبيض . 
واختلف قوله أيضا في القرطم  ، وهو حب العصفر ، فقال في القديم : تجب إن صح فيه حديث أبي بكر    - رضي الله عنه - وقال في الجديد : لا تجب ; لأنه ليس بقوت ، فأشبه الخضراوات ، قاله كله صاحب " المهذب " ، وقال النووي  في " شرح المهذب " : الأثر المروي عن عمر    : " أنه جعل في الزيت العشر " ، ضعيف ، رواه البيهقي  ، وقال : إسناده منقطع ، وراويه ليس بقوي ، قال : وأصح ما روي في الزيتون قول  الزهري    : مضت السنة في زكاة الزيتون  ، أن يؤخذ ممن عصر زيتونه حين يعصره ، فيما سقت السماء أو كان بعلا العشر ، وفيما سقي برش الناضح نصف العشر ، وهذا موقوف لا يعلم اشتهاره ، ولا يحتج به على الصحيح . 
وقال البيهقي    : وحديث  معاذ بن جبل  ،  وأبي موسى الأشعري    - رضي الله عنهما - أعلى ، وأولى أن يؤخذ به ، يعني روايتهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهما ، لما بعثهما إلى اليمن    :   " لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة : الشعير ، والحنطة ، والتمر ، والزبيب "   . 
وأما الأثر المذكور عن  ابن عباس  فضعيف أيضا ، والأثر المذكور عن  أبي بكر الصديق    - رضي الله عنه - ضعيف أيضا ، ذكره  الشافعي  وضعفه هو وغيره ، واتفق الحفاظ على ضعفه ، واتفق أصحابنا في كتب المذهب على ضعفه ، قال البيهقي    : ولم يثبت في هذا إسناد تقوم به حجة ، قال : والأصل عدم الوجوب فلا زكاة فيما لم يرد فيه حديث صحيح ، أو كان في معنى ما ورد به حديث صحيح ، وأما حديث بني شبابة  في العسل فرواه أبو داود  ، والبيهقي  ، وغيرهما من رواية  عمرو بن شعيب  عن أبيه ، عن جده بإسناد ضعيف ، قال الترمذي  في جامعه : لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا كبير شيء ، قال البيهقي    : قال الترمذي  في كتاب " العلل " : قال  البخاري    : ليس في زكاة العسل  شيء يصح . 
فالحاصل أن جميع الآثار ، والأحاديث التي في هذا الفصل ضعيفة ، انتهى كلام   [ ص: 500 ] النووي    . 
وقال ابن حجر  في " التلخيص " في أثر عمر  المذكور في الزيتون : رواه البيهقي  بإسناد منقطع ، والراوي له عثمان بن عطاء  ضعيف ، قال : وأصح ما في الباب قول  ابن شهاب    : " مضت السنة في زكاة الزيتون " إلخ . 
وقال في " التلخيص " أيضا ، في أثر  ابن عباس  المذكور في الزيتون : ذكره " صاحب المهذب " ، عن  ابن عباس  ، وضعفه النووي  ، وقد أخرجه  ابن أبي شيبة  ، وفي إسناده  ليث بن أبي سليم    . 
وقال ابن حجر  أيضا : روى الحاكم  في تاريخ " نيسابور " من طريق عروة ، عن عائشة  مرفوعا :   " الزكاة في خمس : في البر ، والشعير ، والأعناب ، والنخيل ، والزيتون " ، وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن ، وهو الوقاصي    : متروك الحديث . 
وقال ابن حجر  في الأثر المذكور عن أبي بكر    : أنه كان يأخذ الزكاة من حب العصفر ، وهو القرطم ، لم أجد له أصلا ، وقال في " التلخيص " أيضا في خبر أخذه - صلى الله عليه وسلم - زكاة العسل : أخرجه الترمذي  من حديث  ابن عمر    : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :   " في العسل في كل عشرة أزقاق زق " ، وقال في إسناده مقال ، ولا يصح ، وفي إسناده صدقة السمين ، وهو ضعيف الحفظ . 
وقد خولف ، وقال  النسائي    : هذا حديث منكر ، ورواه البيهقي  ، وقال : تفرد به صدقة ، وهو ضعيف ، وقد تابعه طلحة بن زيد  ، عن  موسى بن يسار  ، ذكره المروزي  ، ونقل عن أحمد  تضعيفه ، وذكر الترمذي  أنه سأل  البخاري  عنه ، فقال : هو عن نافع ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل ، ونقل الحاكم  في تاريخ " نيسابور " ، عن أبي حاتم  ، عن أبيه ، قال : حدث  محمد بن يحيى الذهلي  بحديث كاد أن يهلك ، حدث عن  عارم  ، عن  ابن المبارك  ، عن  أسامة بن زيد  ، عن أبيه ، عن  ابن عمر  مرفوعا :   " أخذ من العسل العشر "   . 
قال أبو حاتم    : وإنما هو عن  أسامة بن زيد  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده كذلك : حدثناه  عارم  ، وغيره قال : ولعله سقط من كتابه  عمرو بن شعيب  ، فدخله هذا الوهم . 
قال الترمذي    : وفي الباب عن  عبد الله بن عمرو  ، قلت : رواه أبو داود   والنسائي  من   [ ص: 501 ] رواية  عمرو بن الحارث المصري  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده قال :   " جاء هلال    " أحد بني متعان    " إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشور نحل له ، وسأله أن يحمي واديا له يقال له " سلبة " فحماه له ، فلما ولى عمر  كتب إلى  سفيان بن وهب  ، إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشور نحله فاحم له سلبة ، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء   . 
قال  الدارقطني    : يروى عن عبد الرحمن بن الحارث  ،  وابن لهيعة  ، عن  عمرو بن شعيب  مسندا ، ورواه  يحيى بن سعيد الأنصاري  ، عن  عمرو بن شعيب  مرسلا ، عن عمر  مرسلا ، قلت : فهذه علته ، وعبد الرحمن  ،  وابن لهيعة  ليسا من أهل الإتقان ، ولكن تابعهما  عمرو بن الحارث  أحد الثقات ، وتابعهما  أسامة بن زيد  ، عن  عمرو بن شعيب  عند  ابن ماجه  ، وغيره كما مضى . 
قال الترمذي    : وفيه عن أبي سيارة ، قلت : هو المتعي  ، قال :   " قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لي نحلا ، قال : " أد العشور " ، قال : قلت يا رسول الله احم لي جبلها ، رواه أبو داود  ،  وابن ماجه  ، والبيهقي  من رواية  سليمان بن موسى  ، عن أبي سيارة  ، وهو منقطع . 
قال  البخاري    : لم يدرك سليمان  أحدا من الصحابة ، وليس في زكاة العسل شيء يصح ، وقال أبو عمر    : لا تقوم بهذا حجة ، قال : وعن  أبي هريرة  ، قلت : رواه البيهقي  ، وفي إسناده عبد الله بن محرر ، وهو متروك ، ورواه أيضا من حديث سعد بن أبي ذباب    :   " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله على قومه ، وأنه قال لهم : " أدوا العشر في العسل " ، وأتى به عمر  ، فقبضه ، فباعه ، ثم جعله في صدقات المسلمين " ، وفي إسناده منير بن عبد الله  ضعفه  البخاري  ، والأزدي  ، وغيرهما . 
قال  الشافعي    : وسعد بن أبي ذباب  ، يحكي ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر فيه بشيء ، وأنه شيء رآه هو فتطوع له به قومه ، وقال الزعفراني  ، عن  الشافعي    : الحديث في أن في العسل العشر ضعيف ، واختياري أنه لا يؤخذ منه ، وقال  البخاري    : لا يصح فيه شيء . 
وقال ابن المنذر    : ليس فيه شيء ثابت ، وفي " الموطأ " عن  عبد الله بن أبي بكر  قال : " جاء كتاب  عمر بن عبد العزيز  إلى أبي ، وهو بمنى    : ألا تأخذ من الخيل ، ولا من العسل صدقة   " ، انتهى كلام ابن حجر  بلفظه . 
 [ ص: 502 ] وقال في " التلخيص " أيضا : إن حديث معاذ    : أنه لم يأخذ زكاة العسل ، وأنه قال : " لم يأمرني فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء " ، أخرجه أبو داود  في " المراسيل " ، والحميدي  في " مسنده " ،  وابن أبي شيبة  ، والبيهقي  من طريق  طاوس  عنه ، وفيه انقطاع بين  طاوس  ومعاذ  ، لكن قال البيهقي    : هو قوي ; لأن  طاوسا  كان عارفا بقضايا معاذ    . 
قال مقيده - عفا الله عنه : ولا شك أن إخراج زكاته أحوط ، وهو مذهب الإمام أحمد    - رحمه الله - ونقله صاحب " المغني " عن مكحول  ،  والزهري  ،  وسليمان بن موسى  ،  والأوزاعي  ، وإسحاق    . 
وحجتهم الأحاديث التي رأيت ، ولا شيء فيه عند مالك  ،  والشافعي  في الجديد ،  وابن أبي ليلى  ،  والحسن بن صالح  ، وابن المنذر  ، وغيرهم . 
وحجتهم عدم صحة ما ورد فيه ، وأن الأصل براءة الذمة ، وأنه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن . 
وقال أبو حنيفة    : إن كان في أرض للعشر ففيه الزكاة ، وإلا فلا زكاة فيه ، ونصاب العسل  ، قيل : خمسة أفراق ، وهو قول  الزهري  ، وقيل : خمسة أوسق ، وبه قال أبو يوسف  ، ومحمد    . 
وقال أبو حنيفة    : تجب في قليله وكثيره ، والفرق ستة عشر رطلا بالعراقي ، وقيل : ستون رطلا ، وقيل : مائة وعشرون رطلا ، وقيل : ثلاثة آصع ، وقيل : غير ذلك . قاله في " المغني " . 
وأما الحبوب : فلا تجب الزكاة عند  الشافعي  إلا فيما يقتات ويدخر منها ، ولا زكاة عنده في شيء من الفواكه التي لا تقتات ولا تدخر ، ولا في شيء من الخضراوات  ، فمذهبه يوافق مذهب مالك  ، كما قدمنا ، إلا أن  الشافعي  لا يضم بعض الأنواع إلى بعض ، ومالك  يضم القطاني بعضها إلى بعض في الزكاة ، وكذلك القمح ، والشعير ، والسلت ، كما تقدم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					