قوله تعالى : ما أغنى عنه ماله وما كسب     . سواء كانت ما استفهامية فهو استفهام إنكار ، أو كانت نافية فإنه نص على أن ماله لم يغن عنه شيئا . 
وقوله : وما كسب    . 
فقيل : أي من المال الأول ما ورثه أو ما كسب من عمل جر عليه هذا الهلاك ، وهو عداؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم . 
ونظير هذه الآية المتقدمة : وما يغني عنه ماله إذا تردى    [ 92 \ 11 ] . 
 [ ص: 145 ] وتقدم الكلام عليه هناك . 
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان معنى ما أغنى عنه ماله وما كسب  ، عند قوله تعالى : من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم    [ 45 \ 10 ] . 
وساق كل النصوص في هذا المعنى بتمامها . 
تنبيه 
في هذه الآية سؤالان هما : 
أولا : لقد كان صلى الله عليه وسلم مع قومه في مكة  ملاطفا حليما ، فكيف جابه عمه بهذا الدعاء : تبت يدا أبي لهب  ؟ والجواب : أنه كان يلاطفهم ما دام يطمع في إسلامهم ، فلما يئس من ذلك ، كان هذا الدعاء في محله ، كما وقع من إبراهيم  عليه السلام ، كان يلاطف أباه : ياأبت لا تعبد الشيطان    [ 19 \ 44 ] . ياأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا    [ 19 \ 43 ] ، فلما يئس منه تبرأ منه كما قال تعالى : فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم    [ 9 \ 114 ] . 
والسؤال الثاني : وهو مجيء قوله تعالى : وتب  ، بعد قوله : تبت يدا أبي لهب  ، مع أنها كافية سواء كانت إنشاء للدعاء عليه أو إخبارا بوقوع ذلك منه . 
والجواب ، والله تعالى أعلم : أن الأول لما كان محتملا الخبر ، وقد يمحو الله ما يشاء ويثبت ، أو إنشاء وقد لا ينفذ كقوله : قتل الإنسان ما أكفره    [ 80 \ 17 ] ، أو يحمل على الذم فقط ، والتقبيح فجاء " وتب " لبيان أنه واقع به لا محالة ، وأنه ممن حقت عليهم كلمات ربك لييأس صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون من إسلامه . وتنقطع الملاطفة معه ، والله تعالى أعلم . 
وقد وقع ما أخبر الله به ، فهو من إعجاز القرآن  أن وقع ما أخبر به كما أخبر ولم يتخلف . 
وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا    [ 6 \ 115 ] ، وقوله : كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون    [ 10 \ 33 ] . 
 [ ص: 146 ] نسأل الله العافية ، إنه سميع مجيب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					