المبحث الرابع . 
وهو بعد هذه التوسعة وانتقال الصف الأول عن الروضة ، فهل الأفضل الصلاة في الجماعة في الصف الأول ، أم في الروضة مع تخلفه عن الأول  ؟ ولتصوير هذه المسألة نقدم الآتي : 
أمام المصلى موضعان : 
أحدهما الروضة ; بفضلها روضة من رياض الجنة . 
والصف الأول : وفيه : " لو يعلمون ما الصف الأول لاستهموا عليه   " ، فأي الموضعين يقدم على الآخر ؟ 
ومعلوم أنهم كانوا قبل التوسعة يمكنهم الجمع بين الفضيلتين ، إذ الصف الأول كان في الروضة . 
أما الآن وبعد التوسعة فقد انفصل الصف الأول عن الروضة ، ما دام الإمام يصلي في مقدمة المسجد ، ولم أقف على تفصيل في المسألة . 
ولكن عمومات للنووي  ، ولابن تيمية    - على ما قدمنا في مبحث شمول المضاعفة للزيادة ، ولكن توجد قضية يمكن استنتاج الجواب منها ، وهي قبل التوسعة كان للصف الأول ميمنة وميسرة ، وكان للميمنة فضيلة على الميسرة . ومعلوم أن ميمنة الصف قبل التوسعة كانت تقع غربي المنبر ، أي : خارجة عن الروضة ، والميسرة كلها كانت في الروضة ، ومع ذلك فقد كانوا يفضلون الميمنة على الميسرة لذاتها ، عن الروضة لذاتها أيضا ، فإذا كانت الميمنة - وهي خارج الروضة - مقدمة عندهم عن الروضة ، فلأن يقدم الصف الأول من باب أولى . 
وهناك حقيقة فقهية ذكرها النووي  ، وهي تقديم الوصف الذاتي على الوصف العرضي ، وهو هنا الصف الأول وصف ذاتي للجماعة . وفضل الروضة وصف عرضي للمكان . أي : لكل حال من ذكر أو صلاة فريضة أو نافلة ، فتقديم الصف الأول لكونه ذاتيا 
 [ ص: 334 ] بالنسبة للجماعة أولى من تقديم الروضة ; لكونه وصفا عرضيا . 
وقد مثل لهذه القاعدة النووي  بقوله : فلو أن إنسانا في طريقه إلى الصلاة بالمسجد النبوي  فوجد مسجدا آخر يصلي جماعة ، فكان بين أن يدرك الجماعة مع هؤلاء أو يتركها ويمضي إلى المسجد النبوي  ، وتفوته الصلاة فيصلي منفردا بألف صلاة ، فقال : يصلي في هذا المسجد جماعة أولى له ; لأنه تحصيل الجماعة وصف ذاتي للصلاة ، وتحصيل خير من ألف صلاة وصف عرضي بسبب فضل المسجد النبوي    . اهـ . ملخصا . 
وقد يقال أيضا : إن العبد مكلف بإيقاع الصلاة في جماعة أكثر منه تكليفا بإيقاعها في المسجد النبوي    . 
وهكذا الحال ; فإنا مطالبون بالصف الأول على الإطلاق حيث ما كان ، أكثر منا مطالبة بالصلاة في الروضة . والعلم عند الله تعالى . 
				
						
						
