[ ص: 188 ] بسم الله الرحيم الرحيم 
سورة المنافقون 
قوله تعالى : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون     . 
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الدراسة : الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمنافقون : جمع منافق ، وهو من يظهر الإيمان ، ويسر الكفر . 
( قالوا نشهد إنك لرسول الله    ) ، أي : قالوا ذلك نفاقا وخوفا ، ولم يقولوه خالصا من قلوبهم . ولذا قال الله : والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون  ، وإنما شهد عليهم بالكذب مع أن ظاهر قولهم حق ; لأن بواطنهم تكذب ظواهرهم ، لأن الأعمال بالنيات ، وإنما كسر همزة إن في المواضع الثلاثة ; لأنها بعد فعل معلق باللام ، ولولا ذلك لفتحت ، لأنها في محل المصدر . 
ولأبي حيان  قول حسن في ذلك إذ قال : إن قولهم : ( نشهد ) يجري مجرى اليمين ، ولذلك تلقي بما يتلقى به القسم ، وكذا فعل اليقين ، والعلم يجري مجرى القسم بقوله : إنك لرسول الله  ، أعني : بقصد التوكيد بإن واللام ، ثم قال : وأصل الشهادة أن يواطىء اللسان القلب ، هذا بالنطق وذلك بالاعتقاد فأكذبهم الله ، وفضحهم بقوله : والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون    . 
أي : لم تواطئ قلوبهم ألسنتهم على تصديقك ، واعتقادهم أنك غير رسول ، فهم كاذبون عند الله وعند من عرف حالهم ، أو كاذبون عند أنفسهم ، إذ أنهم يعتقدون أن قولهم : إنك لرسول الله  كذب . 
وجاء قوله تعالى : والله يعلم إنك لرسوله  ، بين شهادتهم وتكذيبهم إيذانا بأن الأمر كما قالوا على حد قوله تعالى : وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله    [ 48 \ 28 - 29 ] . 
تنبيه 
 [ ص: 189 ] في هذه الآية مبحث بلاغي في تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء  فقالوا : الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته ، فذهب الجمهور إلى أنه ينحصر فيهما بلا واسطة ، والمخبر إما صادق وإما كاذب ، وهذا بناء على مطابقة الخبر للواقع أو عدم مطابقته ، ولا علاقة له بالاعتقاد . 
قال السعد  في التلخيص ، وقال بعض الناس : صدق الخبر وكذبه مطابقته لاعتقاد المخبر ، لا للواقع ، واستدلوا لذلك بأن عدم مطابقته للواقع يكون من قبيل الخطأ ، لا من قبيل الكذب . 
ولحديث عائشة  رضي الله عنها عن  ابن عمر    : ما كذب ولكنه وهم ، وهذا مذهب الجاحظ وهو صدق الخبر مطابقته للواقع مع اعتقاد المخبر مستدلا بالآية : والله يشهد إن المنافقين لكاذبون  ، مع قولهم : إنك لرسول الله  ، فكذبهم الله مع أن خبرهم مطابق للواقع ، لكنهم لم يعتقدوا ما قالوا فكذبهم الله لذلك . 
ومقتضى مذهب  الجاحظ  القول بوجود واسطة بين الصدق والكذب ، وهي عدم اعتقاد المخبر لما أخبر به ، ولو طابق الواقع ، ولكن ما قدمناه من كلام أبي حيان  يرد هذا المذهب ويبطل استدلال  الجاحظ  ومن وافقه بالآية ; لأن تكذيب الله إياهم منصب على قولهم قالوا نشهد ، والشهادة أخص من الخبر ، ولأنهم ضمنوا شهادتهم التأكيد المشعر بالقسم والموحي بمطابقة القول لما في القلب ولا سيما في هذا المقام ، وهو مقام الإيمان والتصديق ، فأكذبهم الله في كون إخبارهم بصورة الشهادة والحال أنهم لم يأتوا بالشهادة على وجهها وهو عدم مطابقتها لاعتقادهم . 
والقرآن ينفي وجود واسطة بين الصدق والكذب كما في قوله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الضلال    [ 10 \ 32 ] . 
أما فقه اليمين وما تنعقد به وأحكامها ، فقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - هذا المبحث مستوفى في سورة " المائدة " عند قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم  الآية [ 5 \ 89 ] . 
 [ ص: 190 ] وذكر في معنى لغو اليمين عند العلماء  قولان : 
الثاني منهما : هو أن يحلف على ما يعتقده فيظهر خلافه وعزاه لمالك  ، وأنه مروي عن عائشة  ،  وأبي هريرة  ،  وابن عباس  في أحد قوليه ، وساق أسماء كثيرين ، ولا يبعد أن يقال : ينبغي أن نفرق بين الحد اللغوي عند البلاغيين ، والحد الشرعي حيث يقبل شرعا ما كان مبناه على غلبة الظن عند المتكلم ; لأنه حد علمه ، ولعدم المؤاخذة في الشرع في مثل ذلك والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					