قوله تعالى : خافضة رافعة     . 
خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة رافعة ، ومفعول كل من الوصفين محذوف . 
قال بعض العلماء : تقديره هي خافضة أقواما في دركات النار ، رافعة أقواما إلى الدرجات العلى إلى الجنة ، وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة كقوله : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار    [ 4 \ 145 ] ، وقوله تعالى :   [ ص: 510 ] ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا  جنات عدن تجري من تحتها الأنهار    [ 20 \ 75 - 76 ] ، وقوله تعالى : وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا    [ 17 \ 21 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة . 
وقال بعض العلماء : تقديره خافضة أقواما كانوا مرتفعين في الدنيا رافعة أقواما كانوا منخفضين في الدنيا ، وهذا المعنى تشهد له آيات من كتاب الله تعالى ، كقوله تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون  وإذا مروا بهم يتغامزون  إلى قوله : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون  على الأرائك ينظرون    [ 83 \ 29 - 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وقال بعض العلماء : تقديره خافضة بعض الأجرام التي كانت مرتفعة كالنجوم التي تسقط وتتناثر يوم القيامة ، وذلك خفض لها بعد أن كانت مرتفعة ، كما قال تعالى : وإذا الكواكب انتثرت    [ 82 \ 2 ] ، وقال تعالى : وإذا النجوم انكدرت    [ 81 \ 2 ] . 
رافعة أي رافعة بعض الأجرام التي كانت منخفضة كالجبال التي ترفع من أماكنها وتسير بين السماء والأرض كما قال تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة    [ 18 \ 47 ] ، فقوله : وترى الأرض بارزة  ، لأنها لم يبق على ظهرها شيء من الجبال ، وقال تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب    [ 27 \ 88 ] . 
وقد قدمنا أن التحقيق الذي دل عليه القرآن أن ذلك يوم القيامة ، وأنها تسير بين السماء والأرض كسير السحاب الذي هو المزن . 
وقد صرح بأن الجبال تحمل هي والأرض أيضا يوم القيامة . وذلك في قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة  وحملت الأرض والجبال  الآية [ 69 \ 13 ] . 
وعلى هذا القول ، فالمراد تعظيم شأن يوم القيامة ، وأنه يختل فيه نظام العالم ، وعلى القولين الأولين ، فالمراد الترغيب والترهيب ، ليخاف الناس في الدنيا من أسباب الخفض في الآخرة فيطيعوا الله ويرغبوا في أسباب الرفع فيطيعوه أيضا ، وقد قدمنا مرارا أن الصواب في مثل هذا حمل الآية على شمولها للجميع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					