المسألة الثانية والعشرون : فمن نفى رجلا عن جده أو عن أمه أو نسبه إلى شعب غير شعبه ، أو قبيلة غير قبيلته  ، فذهب مالك    : أنه إن نفاه عن أمه فلا حد عليه ; لأنه لم يدع عليها الزنا ، ولم ينف نسبه عن أبيه ، وإن نفاه عن جده لزمه الحد ، ولا حد عنده في نسبة جنس لغيره ، ولو أبيض لأسود ، قال في " المدونة " : إن قال لفارسي : يا رومي أو يا حبشي ، أو نحو هذا لم يحد ، وقال ابن القاسم    : اختلف عن مالك  في هذا ، وإني أرى ألا حد عليه ، إلا أن يقول : يا ابن الأسود ، فإن لم يكن في آبائه أسود فعليه الحد ، وأما إن نسبه إلى حبشي ; كأن قال : يا ابن الحبشي وهو بربري ، فالحبشي والرومي في هذا سواء ، إذا كان بربريا . 
وقال ابن يونس    : وسواء قال : يا حبشي أو يا ابن الحبشي والرومي ، أو يا ابن الرومي ، فإنه لا يحد ، وكذلك عنه في كتاب محمد  ، قال الشيخ المواق    : هذا ما ينبغي أن تكون به الفتوى على طريقة ابن يونس  ، فانظره أنت ، اهـ . 
وهذا الذي ذكرنا من عدم حد من نسب جنسا إلى غيره هو مشهور مذهب مالك  ، وقد   [ ص: 453 ] نص عليه في المدونة ، ومحل هذا عنده إن لم يكن من العرب . 
قال مالك  في " المدونة " : من قال لعربي : يا حبشي ، أو يا فارسي ، أو يا رومي ، فعليه الحد ; لأن العرب تنسب إلى آبائها وهذا نفي لها عن آبائها . 
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الفرق بين العربي وغيره المذكور عن مالك  لا يتجه كل الاتجاه ، ووجه كون من قال لرومي : يا حبشي مثلا لا يحد ، أن الظاهر أن مراده أنه يشبه الحبشي في بعض أخلاقه أو أفعاله ، وهو استعمال معروف في العربية ، اهـ ، ومذهب أبي حنيفة  أنه إن نفاه عن جده لا حد عليه ، بأن قال له : لست ابن جدك أنه لا حد عليه ; لأنه صادق إذ هو ابن أبيه لا جده ، وكذلك لو نسب جنسا إلى غيره ; كقوله لعربي : يا نبطي ، فلا حد عليه عنده على المشهور ، وكذلك عنده إذا نسبه لقبيلة أخرى غير قبيلته أو نفاه عن قبيلته ; لأنه يراد به التشبيه بتلك القبيلة التي نسبه لها في الأخلاق أو الأفعال ، أو عدم الفصاحة ، ونحو ذلك ، فلا يتعين قصد القذف . 
وقال صاحب " تبيين الحقائق " : وروي عن  ابن عباس  أنه سئل عن رجل قال لرجل من قريش    : يا نبطي ، فقال : لا حد عليه ، اهـ ، وكذلك لا يحد عند أبي حنيفة  من قال لرجل : يا ابن ماء السماء ، أو نسبه إلى عمه أو خاله خلافا للمالكية  ومن وافقهم القائلين بحد من نسبه لعمه ونحوه ، أو زوج أمه الذي هو ربيبه ; لأن العم والخال كلاهما كالأب في الشفقة ، وقد يريد التشبيه بالأب في المحبة والشفقة ، وقوله : ابن ماء السماء ، فإنه قد يراد به التشبيه في الجود والسماحة والصفاء ، قالوا : وكان عامر بن حارثة    : يلقب بماء السماء لكرمه ، وأنه يقيم ماله في القحط مقام المطر ، قالوا : وسميت أم المنذر بن امرئ القيس  بماء السماء ، لحسنها وجمالها ، وقيل لأولادها بني ماء السماء  وهم ملوك العراق  ، اهـ ، وإن نسبه لجده فلا حد عليه عند أبي حنيفة  ، ولا ينبغي أن يختلف في ذلك لصحة نسبته إلى جده ; كما هو واقع بكثرة على مر الأزمنة من غير نكير ، اهـ ، ومذهب  الإمام أحمد    : أنه إن نفاه عن أمه فلا حد عليه . 
واختلف عنه فيمن نفى رجلا عن قبيلته أو نسب جنسا لغيره ، قال  ابن قدامة  في " المغني " : وإذا نفى رجلا عن أبيه ، فعليه الحد ، نص عليه أحمد  ، وكذلك إذا نفاه عن قبيلته ، وبهذا قال  إبراهيم النخعي  ، وإسحاق  ، وبه قال أبو حنيفة  ،  والثوري  ، وحماد  ، اهـ . 
وقد علمت الخلاف عن أبي حنيفة  ، والمشهور عنه بما ذكرناه قريبا ، ثم قال  ابن قدامة   [ ص: 454 ] في " المغني " : والقياس يقتضي ألا يجب الحد بنفي الرجل عن قبيلته ; ولأن ذلك لا يتعين فيه الرمي بالزنا ، فأشبه ما لو قال لأعجمي : إنك عربي ، ولو قال للعربي : أنت نبطي أو فارسي فلا حد عليه ، وعليه التعزير ، نص عليه أحمد    ; لأنه يحتمل أنك نبطي اللسان أو الطبع ، وحكي عن أحمد  رواية أخرى أن عليه الحد كما لو نفاه عن أبيه ، والأول أصح ، وبه قال مالك  ،  والشافعي    ; لأنه يحتمل غير القذف احتمالا كثيرا فلا يتعين صرفه إليه ، ومتى فسر شيئا من ذلك بالقذف فهو قاذف ، اهـ من " المغني " . 
وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذا ، فاعلم أن المسألة ليست فيها نصوص من الوحي ، والظاهر أن ما احتمل غير القذف من ذلك لا يحد صاحبه ; لأن الحدود تدرأ بالشبهات واحتمال الكلام غير القذف لا يقل عن شبهة قوية . وقد ذكر  ابن قدامة  في " المغني " : أن  الأشعث بن قيس  روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول " : لا أوتى برجل يقول : إن قريشا  ليست من كنانة  إلا جلدته   " ، اهـ ، وانظر إسناده . 
				
						
						
