( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم     ) . الظاهر أن ( من ) تتعلق بقوله : أخذنا ، وأن الضمير في ميثاقهم عائد على الموصول ، وأن الجملة معطوفة على قوله : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل    ) والمعنى : أنه تعالى أخذ من النصارى  ميثاق أنفسهم وهو الإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير . وقيل : الضمير في ميثاقهم عائد على بني إسرائيل  ، ويكون مصدرا شبيها ; أي : وأخذنا من النصارى  ميثاقا مثل ميثاق بني إسرائيل    . وقيل : ومن الذين معطوف على قوله : ( منهم ) من قوله : ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم    ) ; أي : من اليهود  ، ومن الذين قالوا إنا   [ ص: 447 ] نصارى    . ويكون قوله : أخذنا ميثاقهم مستأنفا ، وهذا فيه بعد للفصل ، ولتهيئة العامل للعمل في شيء وقطعه عنه دون ضرورة . وقال قتادة    : أخذ على النصارى  الميثاق كما أخذ على أهل التوراة أن يؤمنوا بمحمد  ، صلى الله عليه وسلم ، فتركوا ما أمروا به . وقال غيره : أخذ الميثاق عليهم بالعمل بالتوراة ، وبكتب الله المنزلة وأنبيائه ورسله . وفي قوله : قالوا إنا نصارى  ، توبيخ لهم وزجر عما ادعوه من أنهم ناصرو دين الله وأنبيائه ، إذ جعل ذلك منهم مجرد دعوى لا حقيقة . وحيث جاء النصارى  من غير نسبة إلى أنهم قالوا عن أنفسهم ذلك ، فإنما هو من باب العلم لم يلحظ فيه المعنى الأول الذي قصدوه من النصر ، كما صار اليهود علما لم يلحظ فيه معنى قوله : هدنا إليك . وقال  الزمخشري    : ( فإن قلت ) : فهلا قيل : ومن النصارى ( قلت ) : لأنهم إنما سموا بذلك أنفسهم ادعاء لنصرة الله ، وهم الذين قالوا لعيسى    : نحن أنصار الله ثم اختلفوا بعد إلى نسطورية  ويعقوبية  وملكانية    . انتهى . وقد تقدم في أوائل البقرة أنه قيل : سموا نصارى  لأنهم من قرية بالشام  تسمى ناصرة  ، وقوله : وهم الذين قالوا لعيسى  نحن أنصار الله ، القائل لذلك هم الحواريون ، وهم عند  الزمخشري  كفار ; قد أوضح ذلك على زعمه في آخر هذه السورة ، وعند غيره هم مؤمنون ، ولم يختلفوا هم ، إنما اختلف من جاء بعدهم ممن يدعي تبعيتهم . 
( فنسوا حظا مما ذكروا به    ) قال أبو عبد الله الرازي    : في مكتوب الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد  ، صلى الله عليه وسلم . والحظ هو الإيمان به ، وتنكير الحظ يدل على أن المراد به حظ واحد وهو الإيمان بالرسول ، وخص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا أكثر ما أمرهم الله به ، لأن هذا هو المعظم والمهم . ( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة    ) الضمير في بينهم يعود على النصارى  ، قاله الربيع    . وقال  الزجاج    : النصارى  منهم والنسطورية  واليعقوبية  والملكانية    ; كل فرقة منهم تعادي الأخرى . وقيل : الضمير عائد على اليهود  والنصارى    ; أي : بين اليهود  والنصارى  ، قاله مجاهد  ، وقتادة  ، والسدي    ; فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا . 
( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون    ) هذا تهديد ووعيد شديد بعذاب الآخرة ، إذ موجب ما صنعوا إنما هو الخلود في النار . 
				
						
						
