وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين   
تحذير من التشبه بالمشركين في تحريم بعض الأنعام على بعض أصناف الناس . 
وهو عطف على جملة وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه  ويجوز أن يكون الواو للحال ، فيكون الكلام تعريضا بالحذر من أن يكونوا من جملة من يضلهم أهل الأهواء بغير علم . 
وقرأ نافع ،  وابن كثير ،  وأبو عمرو ،  وابن عامر ،  ويعقوب    : ( ليضلون ) - بفتح الياء - على أنهم ضالون في أنفسهم ، وقرأه عاصم ،   [ ص: 36 ] وحمزة ،   والكسائي ،  وخلف    : بضم الياء على معنى أنهم يضللون الناس ، والمعنى واحد ؛ لأن الضال من شأنه أن يضل غيره ، ولأن المضل لا يكون في الغالب إلا ضالا ، إلا إذا قصد التغرير بغيره ، والمقصود التحذير منهم وذلك حاصل على القراءتين . 
والباء في بأهوائهم للسببية على القراءتين ، والباء في ( بغير علم ) للملابسة ؛ أي : يضلون منقادين للهوى ، ملابسين لعدم العلم . 
والمراد بالعلم : الجزم المطابق للواقع عن دليل ، وهذا كقوله تعالى : إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون  ومن هؤلاء قادة المشركين في القديم ، مثل عمرو بن لحي ،  أول من سن لهم عبادة الأصنام  وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامي ، ومن بعده مثل الذين قالوا : ما قتل الله أولى بأن نأكله مما قتلنا بأيدينا . 
وقوله : إن ربك هو أعلم بالمعتدين  تذييل ، وفيه إعلام للرسول صلى الله عليه وسلم بتوعد الله هؤلاء الضالين المضلين ، فالإخبار بعلم الله بهم كناية عن أخذه إياهم بالعقوبة وأنه لا يفلتهم ؛ لأن كونه عالما بهم لا يحتاج إلى الإخبار به ، وهو وعيد لهم أيضا ، لأنهم يسمعون القرآن ويقرأ عليهم حين الدعوة . 
وذكر المعتدين ، عقب ذكر الضالين ، قرينة على أنهم المراد وإلا لم يكن لانتظام الكلام مناسبة ، فكأنه قال : إن ربك هو أعلم بهم وهم معتدون ، وسماهم الله معتدين ، والاعتداء : الظلم ؛ لأنهم تقلدوا الضلال من دون حجة ولا نظر ، فكانوا معتدين على أنفسهم ، ومعتدين على كل من دعوه إلى موافقتهم . 
 [ ص: 37 ] وقد أشار هذا إلى أن كل من تكلم في الدين بما لا يعلمه ، أو دعا الناس إلى شيء لا يعلم أنه حق أو باطل ، فهو معتد ظالم لنفسه وللناس ، وكذلك كل من أفتى وليس هو بكفء للإفتاء . 
				
						
						
