قد أفلح من زكاها   وقد خاب من دساها    . 
يجوز أن تكون الجملة جواب القسم ، وأن المعنى تحقيق فلاح المؤمنين وخيبة المشركين كما جعل في سورة الليل جواب القسم قوله : ( إن سعيكم لشتى  فأما من أعطى    ) . . . إلخ . 
ويجوز أن تكون جملة معترضة بين القسم والجواب لمناسبة ذكر إلهام الفجور والتقوى ، أي : أفلح من زكى نفسه واتبع ما ألهمه الله من التقوى ، وخاب من اختار الفجور بعد أن ألهم التمييز بين الأمرين بالإدراك والإرشاد الإلهي . 
 [ ص: 371 ] وهذه الجملة توطئة لجملة ( كذبت ثمود بطغواها    ) فإن ما أصاب ثمودا  كان من خيبتهم ; لأنهم دسوا أنفسهم بالطغوى . 
وقدم الفلاح على الخيبة لمناسبته للتقوى ، وأردف بخيبة من دسى نفسه لتهيئة الانتقال إلى الموعظة بما حصل لثمود من عقاب على ما هو أثر التدسية . 
و ( من ) صادقة على الإنسان ، أي : الذي زكى نفسه بأن اختار لها ما به كمالها ودفع الرذائل عنها ، فالإنسان والنفس شيء واحد ، ونزلا منزلة شيئين باختلاف الإرادة والاكتساب . 
والتزكية : الزيادة من الخير . 
ومعنى ( دساها ) : حال بينها وبين فعل الخير . وأصل فعل ( دسى ) : دس ، إذا أدخل شيئا تحت شيء فأخفاه ، فأبدلوا الحرف المضاعف ياء طلبا للتخفيف كما قالوا : تقضى البازي ، أي : تقضض ، وقالوا : تظنيت ، أي : من الظن . 
وإن كانت جملة ( قد أفلح من زكاها    ) جواب القسم ، فجملة ( كذبت ثمود بطغواها    ) في موقع الدليل لمضمون جملة ( وقد خاب من دساها    ) أي : خاب كخيبة ثمود . 
والفلاح : النجاح بحصول المطلوب ، والخيبة ضده ، أي أن يحرم الطالب مما طلبه . 
فالإنسان يرغب في الملائم النافع ، فمن الناس من يطلب ما به النفع والكمال الدائمان ، ومن الناس من يطلب ما فيه عاجل النفع والكمال الزائف ، فالأول قد نجح فيما طلبه فهو مفلح ، والثاني يحصل نفعا عارضا زائلا وكمالا موقتا ينقلب انحطاطا ، فذلك لم ينجح فيما طلبه فهو خائب ، وقد عبر عن ذلك هنا بالفلاح والخيبة كما عبر عنه في مواضع أخر بالربح والخسارة . 
والمقصود هنا الفلاح في الآخرة والخيبة فيها . 
وفي هذه الآيات محسن الطباق غير مرة ، فقد ذكرت أشياء متقابلة متضادة مثل الشمس والقمر لاختلاف وقت ظهورهما ، ومثل : النهار والليل ، والتجلية   [ ص: 372 ] والغشي ، والسماء والأرض ، والبناء والطحو ، والفجور والتقوى ، والفلاح والخيبة ، والتزكية والتدسية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					