وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم     . 
عطف على جملة ادفع بالتي هي أحسن  ، أو حال من التي هي أحسن  ، وضمير يلقاها عائد إلى التي هي أحسن  باعتبار تعلقها بفعل ادفع ، أي بالمعاملة والمدافعة التي هي أحسن ، فأما مطلق الحسنة فقد يحصل لغير الذين صبروا . 
وهذا تحريض على الارتياض بهذه الخصلة بإظهار احتياجها إلى قوة عزم وشدة مراس للصبر على ترك هوى النفس في حب الانتقام ، وفي ذلك تنويه بفضلها بأنها تلازمها خصلة الصبر وهي في ذاتها خصلة حميدة وثوابها جزيل كما علم من عدة آيات في القرآن ، وحسبك قوله تعالى إن الإنسان لفي خسر  إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر    . 
 [ ص: 295 ] فالصابر مرتاض بتحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ فيهون عليه ترك الانتقام . 
ويلقاها يجعل لاقيا لها ، أي كقوله تعالى ولقاهم نضرة وسرورا  ، وهو مستعار للسعي لتحصيلها لأن التحصيل على الشيء بعد المعالجة والتخلق يشبه السعي لملاقاة أحد فيلقاه . 
وجيء في يلقاها بالمضارع في الموضعين باعتبار أن المأمور بالدفع بالتي هي أحسن مأمور بتحصيل هذا الخلق في المستقبل ، وجيء في الصلة وهي الذين صبروا بالماضي للدلالة على أن الصبر خلق سابق فيهم هو العون على معاملة المسيء بالحسنى ، ولهذه النكتة عدل عن أن يقال : إلا الصابرون ، لنكتة كون الصبر سجية فيهم متأصلة . 
ثم زيد في التنويه بها بأنها ما تحصل إلا لذي حظ عظيم . 
والحظ : النصيب من الشيء مطلقا ، وقيل : خاص بالنصيب من خير ، والمراد هنا : نصيب الخير ، بالقرينة أو بدلالة الوضع ، أي ما يحصل دفع السيئة بالحسنة إلا لصاحب نصيب عظيم من الفضائل ، أي من الخلق الحسن والاهتداء والتقوى . 
فتحصل من هذين أن التخلق بالصبر شرط في الاضطلاع بفضيلة دفع السيئة بالتي هي أحسن ، وأنه ليس وحده شرطا فيها بل وراءه شروط أخر يجمعها قوله حظ عظيم  ، أي من الأخلاق الفاضلة ، والصبر من جملة الحظ العظيم لأن الحظ العظيم أعم من الصبر ، وإنما خص الصبر بالذكر لأنه أصلها ورأس أمرها وعمودها . 
وفي إعادة فعل وما يلقاها  دون اكتفاء بحرف العطف إظهار لمزيد الاهتمام بهذا الخبر بحيث لا يستتر من صريحه شيء تحت العاطف . 
وأفاد ذو حظ عظيم    : الحظ العظيم من الخير سجيته وملكته كما اقتضته إضافة ذو . 
 [ ص: 296 ] وحاصل ما أشار إليه الجملتان أن مثلك من يتلقى هذه الوصية وما هي بالأمر الهين لكل أحد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					