( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب     ( 39 ) . 
( يمحو الله ما يشاء ويثبت    ) قرأ ابن كثير ،  وأبو عمرو ،  وعاصم ،  ويعقوب    " ويثبت " بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد . واختلفوا في معنى الآية : 
فقال سعيد بن جبير ،  وقتادة    : يمحو الله ما يشاء من الشرائع ، والفرائض فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه . 
وقال ابن عباس    : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة . 
وروينا عن حذيفة بن أسيد ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم :   " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ، أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره ، وأجله ، ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ، ولا ينقص "   . 
وعن عمر ،   وابن مسعود    - رضي الله عنهما - أنهما قالا يمحو السعادة ، والشقاوة أيضا ، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء . 
وروي عن عمر  رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني ، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب   . ومثله عن ابن مسعود    .   [ ص: 325 ] 
وفي بعض الآثار : أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام ، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة . 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أبو منصور السمعاني  ، حدثنا أبو جعفر الرياني  ، حدثنا حميد بن زنجويه  ، حدثنا عبد الله بن صالح  ، حدثني الليث بن سعد  ، حدثني زيادة بن محمد الأنصاري  ، عن  محمد بن كعب القرظي  ، عن فضالة بن عبيد ،  عن  أبي الدرداء  رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل ، فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت "   . 
وقيل : معنى الآية : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قوله : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوها من كلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، هذا قول الضحاك  والكلبي    . 
وقال الكلبي    : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب . 
وقال عطية ،  عن ابن عباس    : هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بطاعة الله ، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذي يثبت   . 
وقال الحسن    : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) أي من جاء أجله يذهب به ، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله   . 
وعن سعيد بن جبير  قال : ( يمحو الله ما يشاء ) من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها   . 
وقال عكرمة    : ( يمحو الله ما يشاء ) من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات    ) ( الفرقان - 70 ) . وقال السدي : ( يمحو الله ما يشاء ) يعني القمر ( ويثبت ) يعني الشمس ، بيانه قوله تعالى : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة    ) ( الإسراء - 12 ) . 
وقال الربيع    : هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم ، فمن أراد موته محاه فأمسكه   [ ص: 326 ] ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ، بيانه قوله عز وجل : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها    ) الآية ( الزمر - 42 ) . ( وعنده أم الكتاب    ) أي : أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير . 
وقال عكرمة ،  عن ابن عباس  رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء . 
وعن عطاء ،  عن ابن عباس  قال : إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، لله في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وسأل ابن عباس  كعبا  عن أم الكتاب ؟ فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					