( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون    ( 31 ) وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون    ( 32 ) قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون    ( 33 ) ) 
( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله     ) أي : خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى الله بالبعث بعد الموت ، ( حتى إذا جاءتهم الساعة    ) أي : القيامة ( بغتة ) أي : فجأة ، ( قالوا يا حسرتنا    ) ندامتنا ، [ ذكر ] على وجه النداء للمبالغة ، وقال  سيبويه    : كأنه يقول : أيتها الحسرة هذا أوانك ( على ما فرطنا    ) أي : قصرنا ( فيها ) أي : في الطاعة ، وقيل : تركنا في الدنيا من عمل الآخرة .   [ ص: 139 ] 
قال محمد بن جرير    : الهاء راجعة إلى الصفقة ، وذلك أنه لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الآخرة بالدنيا قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ، أي : في الصفقة [ فترك ذكر الصفقة ] اكتفاء بقوله ( قد خسر ) لأن الخسران إنما يكون في صفقة بيع ، والحسرة شدة الندم ، حتى يتحسر النادم ، كما يتحسر الذي تقوم به دابته في السفر البعيد ، ( وهم يحملون أوزارهم    ) أثقالهم وآثامهم ، ( على ظهورهم    ) قال  السدي  وغيره : إن المؤمن إذ أخرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحا فيقول له : هل تعرفني؟ فيقول : لا فيقول : أنا عملك الصالح فاركبني ، فقد طالما ركبتك في الدنيا ، فذلك قوله عز وجل : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا    ) ( مريم ، 85 ) أي : ركبانا ، وأما الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول : لا . فيقول : أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك ، فهذا معنى قوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون    ) يحملون قال ابن عباس    : بئس الحمل حملوا . 
( وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو     ) باطل وغرور لا بقاء لها ( وللدار الآخرة    ) قرأ ابن عامر    ( ولدار الآخرة ) مضافا أضاف الدار إلى الآخرة ، ويضاف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين ، كقوله : ( وحب الحصيد ) ، وقولهم : ربيع الأول ومسجد الجامع ، سميت الدنيا لدنوها ، وقيل : لدناءتها ، وسميت الآخرة لأنها بعد الدنيا ، ( خير للذين يتقون    ) الشرك ، ( أفلا تعقلون    ) أن الآخرة أفضل من الدنيا ، قرأ أهل المدينة  وابن عامر  ويعقوب    ( أفلا تعقلون ) بالتاء هاهنا وفي الأعراف وسورة يوسف و " يس " ، ووافق أبو بكر  في سورة يوسف ، ووافق حفص  إلا في سورة " يس " ، وقرأ الآخرون بالياء فيهن . 
قوله عز وجل : ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون    ) قال  السدي    : التقى الأخنس بن شريق  وأبو جهل بن هشام  ، فقال الأخنس  لأبي جهل  يا أبا الحكم  أخبرني عن محمد  أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري ، قال أبو جهل    : والله إن محمدا  لصادق ، وما كذب محمد  قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي  باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟  فأنزل الله عز وجل هذه الآية . 
وقال ناجية بن كعب    : قال أبو جهل  للنبي صلى الله عليه وسلم لا نتهمك ولا نكذبك ، ولكنا نكذب الذي جئت   [ ص: 140 ] به ، فأنزل الله تعالى : ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون    ) . 
( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون    ) بأنك كاذب ، ( فإنهم لا يكذبونك    ) قرأ نافع   والكسائي  بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد من التكذيب ، والتكذيب هو أن تنسبه إلى الكذب ، وتقول له : كذبت ، والإكذاب هو أن تجده كاذبا ، تقول العرب : أجدبت الأرض وأخصبتها إذا وجدتها جدبة ومخصبة ، ( ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون    ) يقول : إنهم لا يكذبونك في السر لأنهم عرفوا صدقك فيما مضى ، وإنما يكذبون وحيي ويجحدون آياتي ، كما قال : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم    " ( النمل ، 94 ) . 
				
						
						
