[ ص: 223 ]   ) ( وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون     ( 80 ) فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين    ( 81 ) ) 
( وقال الذين أوتوا العلم    ) قال ابن عباس    - رضي الله عنهما - : يعني الأحبار من بني إسرائيل . وقال مقاتل    : أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة ، قالوا للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون  في الدنيا : ( ويلكم ثواب الله خير    ) يعني ما عند الله من الثواب والجزاء خير ) ( لمن آمن ) وصدق بتوحيد الله ) ( وعمل صالحا ) مما أوتي قارون  في الدنيا ( ولا يلقاها إلا الصابرون    ) قال مقاتل    : لا يؤتاها ، يعني الأعمال الصالحة . وقال الكلبي  لا يعطاها في الآخرة . وقيل : لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله : " ويلكم ثواب الله خير    " إلا الصابرون على طاعة الله وعن زينة الدنيا . 
قوله - عز وجل - : ( فخسفنا به وبداره الأرض    )  قال أهل العلم بالأخبار : كان قارون  أعلم بني إسرائيل بعد موسى  وهارون  عليهما السلام وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم وكان حسن الصوت فبغى وطغى ، وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله أوحى إلى موسى  أن يأمر قومه أن يعقلوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أزرق كلون السماء ، يذكروني به إذا نظروا إليها ، ويعلمون أني منزل منها كلامي ، فقال موسى    : يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضرا فإن بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط ، فقال له ربه : يا موسى  إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا هم لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير ، فدعاهم موسى  عليه السلام ، وقال : إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطا خضرا كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها ، ففعلت بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى ،  واستكبر قارون فلم يطعه ، وقال : إنما يفعل هذا الأرباب ، بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم ، فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى  ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون ،  وهي رياسة المذبح ، فكان بنو إسرائيل  يأتون بهديهم إلى هارون  فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله ، فوجد قارون  من ذلك في نفسه وأتى موسى  فقال : يا موسى  لك الرسالة ولهارون  الحبورة ، ولست ، في شيء من ذلك ، وأنا أقرأ التوراة ، لا صبر لي على هذا . فقال له موسى    : ما أنا جعلتها في هارون  بل الله جعلها له . فقال قارون    : والله لا أصدقك حتى تريني بيانه ، فجمع موسى  رؤساء بني إسرائيل فقال : هاتوا عصيكم ، فحزمها وألقاها في قبته التي كان   [ ص: 224 ] يعبد الله فيها ، فجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا ، فأصبحت عصا هارون  قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز ، فقال موسى    : يا قارون  ترى هذا ؟ فقال قارون    : والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر ، واعتزل قارون ،  موسى  بأتباعه ، وجعل موسى  يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد إلا عتوا وتجبرا ومعاداة لموسى ،  حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب ، وضرب على جدرانها صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه . 
قال ابن عباس    - رضي الله عنهما - ، فلما نزلت الزكاة على موسى  أتاه قارون  فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وعن كل ألف شيء على شيء ، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه ، فجمع بني إسرائيل فقال لهم : يا بني إسرائيل إن موسى  قد أمركم بكل شيء فأطعتموه ، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم ، فقالوا : أنت كبيرنا فمرنا بما شئت ، فقال : آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي ، فنجعل لها جعلا حتى تقذف موسى  بنفسها ، فإذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل عليه ورفضوه ، فدعوها فجعل لها قارون  ألف درهم ، وقيل ألف دينار ، وقيل طستا من ذهب ، وقيل : قال لها إني أمولك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى  بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل ، فلما كان من الغد جمع قارون  بني إسرائيل ثم أتى موسى  فقال : إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم ، فخرج إليهم موسى  وهم في براح من الأرض ، فقام فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة جلدة ، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون    : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت ، أنا ، قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت ، فلما أن جاءت قال لها موسى    : يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ وعظم عليها ، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت ، فتداركها الله تعالى بالتوفيق فقالت في نفسها : أحدث اليوم توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : لا كذبوا ولكن جعل لي قارون  جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فخر موسى  ساجدا يبكي ويقول : اللهم إن كنت ، رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله تعالى إليه : إني أمرت ، الأرض أن تطيعك ، فمرها بما شئت ، فقال موسى    : يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون  كما بعثني إلى فرعون  فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزلوا ولم يبق مع قارون  إلا رجلان ، ثم قال موسى    : يا أرض خذيهم فأخذت الأرض بأقدامهم . 
وفي رواية : كان على سريره وفرشه فأخذته حتى غيبت سريره ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم   [ ص: 225 ] إلى الركب ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق ، وقارون  وأصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ،  ويناشده قارون  الله والرحم ، حتى روي أنه ناشده سبعين مرة وموسى  عليه السلام في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ، ثم قال : يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض ، وأوحى الله إلى موسى  ما أغلظ قلبك استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه ، أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته ، وفي بعض الآثار : لا أجعل الأرض بعدك طوعا لأحد . قال قتادة    : خسف به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة . قال : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى  إنما دعا على قارون  ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله تعالى موسى  حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض ، فذلك قوله - عز وجل - : ( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة    ) جماعة ( ينصرونه من دون الله    ) يمنعونه من الله ( وما كان من المنتصرين    ) الممتنعين مما نزل به من الخسف . 
				
						
						
