[ ص: 169 ]   ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا     ( 30 ) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا    ( 31 ) واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا    ( 32 ) ) 
قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا    ) فإن قيل : أين جواب قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ؟ 
قيل : جوابه قوله : ( أولئك لهم جنات عدن تجري    ) وأما قوله : ( إنا لا نضيع ) فكلام معترض . 
وقيل : فيه إضمار ، معناه : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنا لا نضيع أجرهم بل نجازيهم ثم ذكر الجزاء فقال . ( أولئك لهم جنات عدن    ) أي إقامة . يقال : عدن فلان بالمكان إذا أقام به سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها ( تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب    ) قال سعيد بن جبير    : يحلى كل واحد منهم ثلاث أساور : واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ ويواقيت ( ويلبسون ثيابا خضرا من سندس    ) وهو ما رق من الديباج ( وإستبرق ) وهو ما غلظ منه ومعنى الغلظ في ثياب الجنة : إحكامه وعن  أبي عمران الجوني  قال : السندس هو الديباج المنسوج بالذهب   ( متكئين فيها ) في الجنان ( على الأرائك ) وهي السرر في الحجال واحدتها أريكة ( نعم الثواب    ) أي نعم الجزاء ( وحسنت ) الجنان ( مرتفقا ) أي مجلسا ومقرا . ( واضرب لهم مثلا رجلين     ) الآية قيل : نزلت في أخوين من أهل مكة  من بني مخزوم  أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل    [ وكان زوج أم سلمة  قبل النبي صلى الله عليه وسلم   [ ص: 170 ] والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل    ] . 
وقيل : هذا مثل لعيينة بن حصن  وأصحابه مع سلمان  وأصحابه شبههما برجلين من بني إسرائيل  أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا  في قول ابن عباس  وقال مقاتل    : يمليخا  والآخر كافر واسمه قطروس  وقال وهب    : قطفير  وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة " والصافات " وكانت قصتهما على ما حكى  عبد الله بن المبارك  عن معمر  عن  عطاء الخراساني  قال : كان رجلان شريكين لهما ثمانية آلاف دينار وقيل : كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فعمد أحدهما فاشترى أرضا بألف دينار فقال صاحبه : اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار فإني أشتري منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال هذا : اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار فإني أشتري منك دارا في الجنة بألف دينار فتصدق بذلك ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال هذا المؤمن : اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار ثم اشترى صاحبه خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا : اللهم إني أشتري منك متاعا وخدما في الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار ثم أصابته حاجة شديدة فقال : لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف فجلس على طريقه حتى مر به في حشمه فقام إليه فنظر إليه الآخر فعرفه فقال : فلان؟ قال : نعم فقال : ما شأنك؟ قال : أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتصيبني بخير فقال : ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالا واحدا وأخذت شطره؟ فقص عليه قصته فقال : وإنك لمن المصدقين بهذا ؟ اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده فقضي لهما أن توفيا فنزل فيهما : " فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين    " ( الصافات - 50 ، 51 ) . 
وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أموال نفسه فنزل فيهما . 
( واضرب لهم مثلا رجلين    ) اذكر لهم خبر رجلين ( جعلنا لأحدهما جنتين    ) بستانين ( من أعناب وحففناهما بنخل    ) أي : أطفناهما من جوانبهما بنخل والحفاف : الجانب وجمعه أحفة ، يقال : حف به القوم أي : طافوا بجوانبه ( وجعلنا بينهما زرعا    ) أي : جعلنا حول الأعناب النخيل ووسط الأعناب الزرع .   [ ص: 171 ] 
وقيل : " بينهما " أي بين الجنتين زرعا يعني : لم يكن بين الجنتين موضع خراب . 
				
						
						
