القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم    ( 218 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ذكره : إن الذين صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به وبقوله : " والذين هاجروا   " الذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم  [ ص: 318 ] ومجاورتهم في ديارهم ، فتحولوا عنهم ، وعن جوارهم وبلادهم ، إلى غيرها هجرة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه . وأصل المهاجرة : " المفاعلة " من هجرة الرجل الرجل للشحناء تكون بينهما ، ثم تستعمل في كل من هجر شيئا لأمر كرهه منه ، وإنما سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " مهاجرين " ، لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم ، بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم - إلى الموضع الذي يأمنون ذلك . 
وأما قوله : " وجاهدوا " فإنه يعني : وقاتلوا وحاربوا . 
وأصل " المجاهدة " " المفاعلة " من قول الرجل : " قد جهد فلان فلانا على كذا " - إذا كربه وشق عليه - " يجهده جهدا " . فإذا كان الفعل من اثنين ، كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة ، قيل : " فلان يجاهد فلانا " - يعني أن كل واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشق عليه - " فهو يجاهده مجاهدة وجهادا " . 
وأما " سبيل الله " ، فطريقه ودينه .  [ ص: 319 ] 
فمعنى قوله إذا : " والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله   " ، والذين تحولوا من سلطان أهل الشرك هجرة لهم ، وخوف فتنتهم على أديانهم ، وحاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه وفيما يرضي الله " أولئك يرجون رحمة الله   " ، أي : يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم . 
" والله غفور " ، أي ساتر ذنوب عباده بعفوه عنها ، متفضل عليهم بالرحمة . 
وهذه الآية أيضا ذكر أنها نزلت في عبد الله بن جحش  وأصحابه . 
ذكر من قال ذلك : 
4102 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا المعتمر بن سليمان  عن أبيه ، أنه حدثه رجل ، عن أبي السوار  يحدثه عن  جندب بن عبد الله  قال : لما كان من أمر عبد الله بن جحش وأصحابه وأمر ابن الحضرمي ما كان ، قال بعض المسلمين : إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم - أظنه قال : وزرا - ، فليس لهم فيه أجر . فأنزل الله : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم   " . 
4103 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة  عن ابن إسحاق  قال : حدثني الزهري  ويزيد بن رومان  عن عروة بن الزبير  قال : أنزل الله عز وجل القرآن بما أنزل من الأمر ، وفرج الله عن المسلمين في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه - يعني : في قتلهم ابن الحضرمي - فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن ، طمعوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم   "  [ ص: 320 ]  . فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء  . 
4104 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قال : أثنى الله على أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء فقال : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمه الله والله غفور رحيم   " ، هؤلاء خيار هذه الأمة . ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون ، وأنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب  . 
4105 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  عن أبيه ، عن الربيع  مثله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					