[ ص: 328 ]  [ ص: 329 ]  [ ص: 330 ]  [ ص: 331 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( والسماء ذات البروج   ( 1 ) واليوم الموعود   ( 2 ) وشاهد ومشهود   ( 3 ) قتل أصحاب الأخدود   ( 4 ) النار ذات الوقود   ( 5 ) ) . 
قال أبو جعفر  رحمه الله : قوله : ( والسماء ذات البروج    ) أقسم الله جل ثناؤه بالسماء ذات البروج . 
واختلف أهل التأويل في معنى البروج في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني بذلك : والسماء ذات القصور . قالوا : والبروج : القصور . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( والسماء ذات البروج   ) قال ابن عباس   : قصور في السماء ، قال غيره : بل هي الكواكب . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( البروج ) يزعمون أنها قصور في السماء ، ويقال : هي الكواكب . 
وقال آخرون : عني بذلك : والسماء ذات النجوم ، وقالوا : نجومها : بروجها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله : ( ذات البروج   ) قال : البروج : النجوم  .  [ ص: 332 ] 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح   ( والسماء ذات البروج   ) قال : النجوم . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( والسماء ذات البروج   ) وبروجها : نجومها . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : والسماء ذات الرمل والماء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني الحسن بن قزعة ،  قال : ثنا حصين بن نمير ،  عن سفيان بن حسين ،  في قوله : ( والسماء ذات البروج   ) قال : ذات الرمل والماء . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : معنى ذلك : والسماء ذات منازل الشمس والقمر ، وذلك أن البروج جمع برج ، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة ، ومن ذلك قول الله : ( ولو كنتم في بروج مشيدة   ) هي منازل مرتفعة عالية في السماء ، وهي اثنا عشر برجا ، فمسير القمر في كل برج منها يومان وثلث ، فذلك ثمانية وعشرون منزلا ثم يستسر ليلتين ، ومسير الشمس في كل برج منها شهر . 
وقوله : ( واليوم الموعود   ) يقول تعالى ذكره : وأقسم باليوم الذي وعدته عبادي لفصل القضاء بينهم ، وذلك يوم القيامة . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن نمير  وإسحاق الرازي ،  عن موسى بن عبيدة ،  عن أيوب بن خالد ،  عن عبد الله بن رافع ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليوم الموعود : يوم القيامة  " . 
قال : ثنا  وكيع ،  عن موسى بن عبيدة ،  عن أيوب بن خالد ،  عن عبد الله بن رافع ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . 
حدثنا يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  قال : ثنا يونس ،  قال : أنبأني عمار ،  قال : قال  أبو هريرة   : "اليوم الموعود : يوم القيامة" . قال يونس ،  وكذلك الحسن   .  [ ص: 333 ] 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( واليوم الموعود   ) يعني : يوم القيامة  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( واليوم الموعود   ) قال : القيامة  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد   : ( اليوم الموعود ) يوم القيامة  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن يونس بن عبيد ،  عن عمار بن أبي عمار ، مولى بني هاشم ،  عن  أبي هريرة   ( واليوم الموعود   ) يوم القيامة . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن موسى بن عبيدة ،  عن أيوب بن خالد ،  عن عبد الله بن رافع ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اليوم الموعود : يوم القيامة  " . 
حدثنا محمد بن عوف ،  قال : ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني ضمضم بن زرعة ،  عن شريح بن عبيد ،  عن أبي مالك الأشعري ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  ( اليوم الموعود ) يوم القيامة"  . 
وقوله : ( وشاهد ومشهود   ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأقسم بشاهد ، قالوا : وهو يوم الجمعة ، ومشهود قالوا : وهو يوم عرفة   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب  قال : أخبرنا  ابن علية ،  قال : أخبرنا يونس ،  قال : أنبأني عمار ،  قال : قال  أبو هريرة   : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة; قال يونس ،  وكذلك قال الحسن   . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا شعبة ،  عن أبي إسحاق ،  قال : سمعت حارثة بن مضرب ،  يحدث عن علي  رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية ( وشاهد ومشهود   ) قال : يوم الجمعة ، ويوم عرفة   . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( وشاهد ومشهود   ) قال : الشاهد يوم الجمعة ،  [ ص: 334 ] والمشهود : يوم عرفة;  ويقال : الشاهد : الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( وشاهد ومشهود   ) : يومان عظيمان من أيام الدنيا ، كنا نحدث أن الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة   . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( وشاهد ومشهود   ) قال : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة   . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن أبي إسحاق ،  عن الحارث ،  عن علي  رضي الله عنه : ( وشاهد ومشهود   ) قال : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة   . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وشاهد ) يوم الجمعة ، ( ومشهود ) : يوم عرفة   . 
حدثنا أبو كريب ،  قال ثنا  وكيع ،  عن موسى بن عبيدة ،  عن أيوب بن خالد ،  عن عبد الله بن رافع ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وشاهد : يوم الجمعة ، ومشهود : يوم عرفة   " . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن نمير  وإسحاق الرازي ،  عن موسى بن عبيدة ،  عن أيوب بن خالد ،  عن عبد الله بن رافع ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المشهود : يوم عرفة ،  والشاهد : يوم الجمعة  " . 
حدثنا سهل بن موسى ،  قال : ثنا ابن أبي فديك ،  عن ابن حرملة ،  عن سعيد  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "إن سيد الأيام يوم الجمعة  ، وهو الشاهد ، والمشهود : يوم عرفة   " . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن موسى بن عبيد ،  عن أيوب بن خالد ،  عن عبد الله بن رافع  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المشهود : يوم عرفة ،  والشاهد : يوم الجمعة ، فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب له ، ولا يستعيذه من شر إلا أعاذه  " . 
حدثني محمد بن عوف ،  قال : ثنا  محمد بن إسماعيل ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني ضمضم بن زرعة ،  عن شريح بن عبيد ،  عن أبي مالك الأشعري ،  قال : قال  [ ص: 335 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشاهد يوم الجمعة ، وإن المشهود يوم عرفة ،  فيوم الجمعة خيرة الله لنا" . 
حدثني سعيد بن الربيع الرازي ،  قال : ثنا سفيان ،  عن عبد الرحمن بن حرملة ،  عن  سعيد بن المسيب ،  قال : سيد الأيام يوم الجمعة ، وهو شاهد . 
وقال آخرون : الشاهد : محمد ،  والمشهود : يوم القيامة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن شعبة ،  عن علي بن زيد ،  عن يوسف المكي ،  عن ابن عباس  قال : الشاهد : محمد ،  والمشهود : يوم القيامة ، ثم قرأ ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود   )  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن مغيرة ،  عن شباك ،  قال : سأل رجل الحسن بن علي ،  عن ( وشاهد ومشهود   ) قال : سألت أحدا قبلي؟ قال : نعم ، سألت ابن عمر  وابن الزبير ،  فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة; قال : لا ولكن الشاهد : محمد ،  ثم قرأ : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا   ) والمشهود : يوم القيامة ، ثم قرأ : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود   ) . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن جابر ،  عن أبي الضحى ،  عن الحسن بن علي ،  قال : الشاهد : محمد ،  والمشهود : يوم القيامة . 
حدثني سعيد بن الربيع ،  قال : ثنا سفيان ،  عن عبد الرحمن بن حرملة ،  عن  سعيد بن المسيب   : ( ومشهود ) : يوم القيامة  . 
وقال آخرون : الشاهد : الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ،  قال : ثنا أسباط ،  عن عبد الملك ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله : ( وشاهد ومشهود   ) قال : الشاهد : ابن آدم ،  والمشهود : يوم القيامة . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( وشاهد ومشهود   ) قال : الإنسان ، وقوله :  [ ص: 336 ]  ( ومشهود ) قال : يوم القيامة . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  قال : الشاهد : الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن خالد الحذاء ،  عن عكرمة ،  في قوله : ( وشاهد ومشهود   ) قال : شاهد : ابن آدم ،  ومشهود : يوم القيامة . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( وشاهد ) يعني : الإنسان ( ومشهود ) يوم القيامة ، قال الله : ( وذلك يوم مشهود   )  . 
وقال آخرون : الشاهد : محمد ،  والمشهود : يوم الجمعة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا  يحيى بن واضح ،  قال : ثنا الحسين ،  عن يزيد ،  عن عكرمة ،  في قوله : ( وشاهد ومشهود   ) قال : الشاهد : محمد ،  والمشهود : يوم الجمعة ، فذلك قوله : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا   )  . 
وقال آخرون : الشاهد : الله ، والمشهود : يوم القيامة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  في قوله : ( وشاهد ) يقول : الله ( ومشهود ) يقول : يوم القيامة . 
وقال آخرون : الشاهد : يوم الأضحى ، والمشهود : يوم الجمعة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن مغيرة ،  عن شباك ،  قال : سأل رجل الحسن بن علي ،  عن ( شاهد ومشهود ) قال : سألت أحدا قبلي؟ قال : نعم ، سألت ابن عمر  وابن الزبير ،  فقالا : يوم الذبح ، ويوم الجمعة . 
وقال آخرون : الشاهد : يوم الأضحى ، والمشهود : يوم عرفة   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن  [ ص: 337 ] مجاهد ،  عن ابن عباس   : ( وشاهد ومشهود   ) قال : الشاهد : يوم عرفة ،  والمشهود : يوم القيامة . 
وقال آخرون : المشهود : يوم الجمعة ، ورووا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
ذكر الرواية بذلك : 
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ،  قال : ثني عمي  عبد الله بن وهب ،  قال : أخبرني عمرو بن الحارث ،  عن سعيد بن أبي هلال ،  عن زيد بن أيمن ،  عن  عبادة بن نسي ،  عن  أبي الدرداء ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة ، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة" . 
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن يقال : إن الله أقسم بشاهد شهد ، ومشهود شهد ، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أي شاهد وأي مشهود أراد ، وكل الذي ذكرنا أن العلماء قالوا : هو المعني مما يستحق أن يقال له : ( شاهد ومشهود ) . 
وقوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) يقول : لعن أصحاب الأخدود . وكان بعضهم يقول : معنى قوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) خبر من الله عن النار أنها قتلتهم . 
وقد اختلف أهل العلم في أصحاب الأخدود   ; من هم؟ فقال بعضهم : قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا يعقوب القمي ،  عن جعفر  عن ابن أبزى ،  قال : لما رجع المهاجرون  من بعض غزواتهم ، بلغهم نعي  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ، فقال بعضهم لبعض : أي الأحكام تجري في المجوس ،  وإنهم ليسوا بأهل كتاب ، وليسوا من مشركي العرب ، فقال  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه : قد كانوا أهل كتاب ، وقد كانت الخمر أحلت لهم ، فشربها ملك من ملوكهم حتى ثمل منها ، فتناول أخته فوقع عليها ، فلما ذهب عنه السكر قال لها : ويحك ، فما المخرج مما ابتليت به؟ فقالت : اخطب الناس ، فقل : يأيها الناس إن الله قد أحل نكاح الأخوات ، فقام خطيبا ، فقال : يأيها الناس إن الله قد أحل نكاح الأخوات ، فقال الناس : إنا نبرأ  [ ص: 338 ] إلى الله من هذا القول ، ما أتانا به نبي ، ولا وجدناه في كتاب الله ، فرجع إليها نادما ، فقال لها : ويحك ، إن الناس قد أبوا علي أن يقروا بذلك ، فقالت : ابسط عليهم السياط ، ففعل ، فبسط عليهم السياط ، فأبوا أن يقروا ، فرجع إليها نادما ، فقال : إنهم أبوا أن يقروا ، فقالت : اخطبهم ، فإن أبوا فجرد فيهم السيف ، ففعل ، فأبى عليه الناس ، فقال لها : قد أبى علي الناس ، فقالت : خد لهم الأخدود ، ثم اعرض عليها أهل مملكتك ، فمن أقر وإلا فاقذفه في النار ، ففعل ، ثم عرض عليها أهل مملكته ، فمن لم يقر منهم قذفه في النار ، فأنزل الله فيهم : ( قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود   ) إلى ( أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات   ) حرقوهم ( ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق   ) فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الأخوات والبنات والأمهات  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) قال : حدثنا أن  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه كان يقول : هم ناس بمزارع اليمن ،  اقتتل مؤمنوها وكفارها ، فظهر مؤمنوها على كفارها ، ثم اقتتلوا الثانية ، فظهر مؤمنوها على كفارها ثم أخذ بعضهم على بعض عهدا ومواثيق أن لا يغدر بعضهم ببعض ، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أخذا ، ثم إن رجلا من المؤمنين قال لهم : هل لكم إلى خير ، توقدون نارا ثم تعرضوننا عليها ، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون ، ومن لا اقتحم النار ، فاسترحتم منه ، قال : فأججوا نارا وعرضوا عليها ، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم ، ثم بقيت منهم عجوز كأنها نكصت ، فقال لها طفل في حجرها : يا أماه امضي ولا تنافقي . قص الله عليكم نبأهم وحديثهم  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) قال : يعني القاتلين الذين قتلوهم يوم قتلوا . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود   ) قال : هم ناس من بني إسرائيل  خدوا أخدودا في الأرض ، ثم أوقدوا فيها نارا ، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالا ونساء ، فعرضوا عليها ، وزعموا أنه دانيال وأصحابه . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني  [ ص: 339 ] الحارث ،  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) قال : كان شقوق في الأرض بنجران كانوا يعذبون فيها الناس . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) يزعمون أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل ،  أخذوا رجالا ونساء ، فخدوا لهم أخدودا ، ثم أوقدوا فيها النيران ، فأقاموا المؤمنين عليها ، فقالوا : تكفرون أو نقذفكم في النار . 
حدثني محمد بن معمر ،  قال : ثني حرمي بن عمارة ،  قال : ثنا حماد بن سلمة ،  قال : ثنا ثابت البناني ،  عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،  عن صهيب ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "كان فيمن كان قبلكم ملك ، وكان له ساحر ، فأتى الساحر الملك فقال : قد كبرت سني ، ودنا أجلي ، فادفع لي غلاما أعلمه السحر " ، قال : " فدفع إليه غلاما يعلمه السحر " ، قال : " فكان الغلام يختلف إلى الساحر ، وكان بين الساحر وبين الملك راهب " ، قال : " فكان الغلام إذا مر بالراهب قعد إليه فسمع من كلامه ، فأعجب بكلامه ، فكان الغلام إذا أتى الساحر ضربه وقال : ما حبسك؟ وإذا أتى أهله قعد عند الراهب يسمع كلامه ، فإذا رجع إلى أهله ضربوه وقالوا : ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال له الراهب : إذا قال لك الساحر : ما حبسك؟ قل حبسني أهلي ، وإذا قال أهلك : ما حبسك؟ فقل حبسني الساحر . فبينما هو كذلك إذ مر في طريق وإذا دابة عظيمة في الطريق قد حبست الناس لا تدعهم يجوزون ، فقال الغلام : الآن أعلم : أمر الساحر أرضى عند الله أم أمر الراهب؟ قال : فأخذ حجرا " ، قال : فقال : " اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر ، فإني أرمي بحجري هذا فيقتله ويمر الناس ، قال : فرماها فقتلها ، وجاز الناس; فبلغ ذلك الراهب " ، قال : وأتاه الغلام فقال الراهب للغلام : إنك خير مني ، وإن ابتليت فلا تدلن علي " ; قال : " وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ، وكان للملك جليس ، قال : فعمي ، قال : فقيل له : إن هاهنا غلاما يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء فلو أتيته؟ قال : " فاتخذ له هدايا " ; قال : " ثم أتاه فقال : يا غلام ، إن أبرأتني فهذه الهدايا كلها لك ، فقال : ما أنا بطبيب يشفيك ، ولكن الله يشفي ، فإذا آمنت دعوت الله أن يشفيك " ، قال : " فآمن  [ ص: 340 ] الأعمى ، فدعا الله فشفاه ، فقعد الأعمى إلى الملك كما كان يقعد ، فقال له الملك : أليس كنت أعمى؟ قال : نعم ، قال : فمن شفاك؟ قال : ربي ، قال : ولك رب غيري؟ قال : نعم ربي وربك الله " ، قال : " فأخده بالعذاب فقال : لتدلني على من علمك هذا " ، قال : " فدل على الغلام ، فدعا الغلام فقال : ارجع عن دينك " ، قال : " فأبى الغلام " ; قال : فأخذه بالعذاب " ، قال : " فدل على الراهب ، فأخذ الراهب فقال : ارجع عن دينك فأبى " ، قال : " فوضع المنشار على هامته فشقه حتى بلغ الأرض " ، قال : " وأخذ الأعمى فقال : لترجعن أو لأقتلنك " ، قال : " فأبى الأعمى ، فوضع المنشار على هامته فشقه حتى بلغ الأرض ، ثم قال للغلام : لترجعن أو لأقتلنك " ، قال : " فأبى " ، قال : " فقال : اذهبوا به حتى تبلغوا به ذروة الجبل ، فإن رجع عن دينه ، وإلا فدهدهوه ، فلما بلغوا به ذروة الجبل فوقعوا فماتوا كلهم . وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك ، فقال : أين أصحابك؟ قال : كفانيهم الله . قال : فاذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه " قال : " فذهبوا به ، فلما توسطوا به البحر قال الغلام : اللهم اكفنيهم ، فانكفأت بهم السفينة . وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك ، فقال الملك : أين أصحابك؟ قال : دعوت الله فكفانيهم ، قال : لأقتلنك ، قال : ما أنت بقاتلي حتى تصنع ما آمرك " ، قال : " فقال الغلام للملك : اجمع الناس في صعيد واحد ، ثم اصلبني ، ثم خذ سهما من كنانتي فارمني وقل : باسم رب الغلام فإنك ستقتلني " ، قال : " فجمع الناس في صعيد واحد " ، قال : " وصلبه وأخذ سهما من كنانته فوضعه في كبد القوس ثم رمى ، فقال : باسم رب الغلام ، فوقع السهم في صدغ الغلام ، فوضع يده هكذا على صدغه ومات الغلام ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقالوا للملك : ما صنعت ! الذي كنت تحذر قد وقع ، قد آمن الناس ، فأمر بأفواه السكك فأخذت ، وخد الأخدود وضرم فيه النيران ، وأخذهم وقال : إن رجعوا وإلا فألقوهم في النار " ، قال : " فكانوا يلقونهم في النار " ، قال : " فجاءت امرأة معها صبي لها " ، قال : " فلما ذهبت تقتحم وجدت حر النار ، فنكصت " ، قال : " فقال  [ ص: 341 ] لها صبيها يا أماه امضي فإنك على الحق ، فاقتحمت في النار" . 
وقال آخرون : بل الذين أحرقتهم النار هم الكفار الذين فتنوا المؤمنين . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن عمار ،  عن عبد الله بن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ،  قال : كان أصحاب الأخدود قوما مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة ، وإن جبارا من عبدة الأوثان أرسل إليهم ، فعرض عليهم الدخول في دينه ، فأبوا ، فخد أخدودا ، وأوقد فيه نارا ، ثم خيرهم بين الدخول في دينه ، وبين إلقائهم في النار ، فاختاروا إلقاءهم في النار ، على الرجوع عن دينهم ، فألقوا في النار ، فنجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق ، بأن قبض أرواحهم قبل أن تمسهم النار ، وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم ، فذلك قول الله : ( فلهم عذاب جهنم   ) في الآخرة ( ولهم عذاب الحريق   ) في الدنيا . 
واختلف في موضع جواب القسم بقوله : ( والسماء ذات البروج   ) فقال بعضهم : جوابه : ( إن بطش ربك لشديد   ) 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قال : وقع القسم هاهنا ( إن بطش ربك لشديد   ) . وقال بعض نحويي البصرة   : موضع قسمها - والله أعلم - على ( قتل أصحاب الأخدود   ) ، أضمر اللام كما قال : ( والشمس وضحاها قد أفلح من زكاها ) يريد : إن شاء الله لقد أفلح من زكاها ، فألقى اللام ، وإن شئت قلت على التقديم ، كأنه قال : قتل أصحاب الأخدود ، والسماء ذات البروج . 
وقال بعض نحويي الكوفة   : يقال في التفسير : إن جواب القسم في قوله : ( قتل ) كما كان قسم ( والشمس وضحاها   ) في قوله : ( قد أفلح   ) هذا في التفسير ، قالوا : ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو "لا" أو "إن" أو "ما" ، فإن يكن ذلك كذلك ، فكأنه مما ترك فيه الجواب ، ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر ، كما قيل : " يأيها الإنسان " في كثير من الكلام . 
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : جواب القسم في ذلك متروك ، والخبر مستأنف; لأن علامة جواب القسم لا تحذفها العرب من الكلام إذا أجابته .  [ ص: 342 ] 
وأولى التأويلين بقوله : ( قتل أصحاب الأخدود   ) : لعن أصحاب الأخدود الذين ألقوا المؤمنين والمؤمنات في الأخدود . 
وإنما قلت : ذلك أولى التأويلين بالصواب; للذي ذكرنا عن الربيع من العلة ، وهو أن الله أخبر أن لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنم ، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدنيا ، لم يكن لقوله : ( ولهم عذاب الحريق   ) معنى مفهوم ، مع إخباره أن لهم عذاب جهنم; لأن عذاب جهنم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابها في الآخرة ، والأخدود : الحفرة تحفر في الأرض . 
وقوله : ( النار ذات الوقود   ) فقوله ( النار ) : رد على الأخدود ، ولذلك خفضت ، وإنما جاز ردها عليه وهي غيره ، لأنها كانت فيه ، فكأنها إذ كانت فيه هو ، فجرى الكلام عليه لمعرفة المخاطبين به بمعناه ، وكأنه قيل : قتل أصحاب النار ذات الوقود ، ويعني بقوله : : ( ذات الوقود   ) ذات الحطب الجزل ، وذلك إذا فتحت الواو ، فأما الوقود بضم الواو ، فهو الاتقاد . 
				
						
						
