القول في تأويل قوله تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة    ( 38 ) إلا أصحاب اليمين   ( 39 ) في جنات يتساءلون   ( 40 ) عن المجرمين   ( 41 ) ما سلككم في سقر   ( 42 ) قالوا لم نك من المصلين   ( 43 ) ولم نك نطعم المسكين   ( 44 ) وكنا نخوض مع الخائضين   ( 45 ) ) . 
يقول تعالى ذكره : كل نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا ، رهينة في جهنم ( إلا أصحاب اليمين   ) فإنهم غير مرتهنين ، ولكنهم ( في جنات يتساءلون عن المجرمين   ) . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( كل نفس بما كسبت رهينة   ) يقول : مأخوذة بعملها  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين   ) قال : غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين   ) قال : لا يحاسبون  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قول الله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين   ) أصحاب اليمين لا يرتهنون بذنوبهم ، ولكن يغفرها الله لهم ، وقرأ قول الله : ( إلا عباد الله المخلصين   ) قال : لا يؤاخذهم الله بسيئ أعمالهم ، ولكن يغفرها الله لهم ، ويتجاوز عنهم كما وعدهم  .  [ ص: 36 ] 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة   ) قال : كل نفس سبقت له كلمة العذاب يرتهنه الله في النار ، لا يرتهن الله أحدا من أهل الجنة ، ألم تسمع أنه قال : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين   ) يقول : ليسوا رهينة ( في جنات يتساءلون   )  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  في قوله : ( إلا أصحاب اليمين   ) قال : إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جعل منزله في النار يكون فيها رهنا ، وليس يرتهن أحد من أهل الجنة هم في جنات يتساءلون  . 
واختلف أهل التأويل في أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هم أطفال المسلمين . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني واصل بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن فضيل ،  عن الأعمش ،  عن عثمان ،  عن زاذان ،  عن علي  رضي الله عنه في هذه الآية ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين   ) قال : هم الولدان  . 
حدثنا  محمد بن بشار ،  قال : ثنا مؤمل ،  قال : ثنا سفيان ،  عن عثمان أبي اليقظان ،  عن  زاذان أبي عمر  عن علي  رضي الله عنه في قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين   ) قال : أطفال المسلمين  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن الأعمش ،  عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ،  عن  زاذان أبي عمر ،  عن علي  رضي الله عنه ( إلا أصحاب اليمين   ) قال : أولاد المسلمين  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن أبي اليقظان ،  عن زاذان ،  عن علي  رضي الله عنه ( إلا أصحاب اليمين   ) قال : هم الولدان  . 
وقال آخرون : هم الملائكة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن شريك ،  عن الأعمش ،  عن  أبي ظبيان ،   [ ص: 37 ] عن ابن عباس ،  قال : هم الملائكة ، وإنما قال من قال : أصحاب اليمين في هذا الموضع : هم الولدان وأطفال المسلمين; ومن قال : هم الملائكة ، لأن هؤلاء لم يكن لهم ذنوب ، وقالوا : لم يكونوا ليسألوا المجرمين ( ما سلككم في سقر   ) إلا أنهم لم يقترفوا في الدنيا مآثم ، ولو كانوا اقترفوها وعرفوها لم يكونوا ليسألوهم عما سلكهم في سقر ، لأن كل من دخل من بني آدم  ممن بلغ حد التكليف ، ولزمه فرض الأمر والنهي ، قد علم أن أحدا لا يعاقب إلا على المعصية . 
وقوله : ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر   ) يقول : أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون عن المجرمين الذين سلكوا في سقر ، أي شيء سلككم في سقر ؟ ( قالوا لم نك من المصلين   ) يقول : قال المجرمون لهم : لم نك في الدنيا من المصلين لله ( ولم نك نطعم المسكين   ) بخلا بما خولهم الله ، ومنعا له من حقه . 
( وكنا نخوض مع الخائضين   ) يقول : وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه . 
كما حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( وكنا نخوض مع الخائضين   ) قال : كلما غوى غاو غوي معه  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة  قوله : ( وكنا نخوض مع الخائضين   ) قال : يقولون : كلما غوى غاو غوينا معه  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					