القول في تأويل قوله تعالى : ( وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا    ( 9 ) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا   [ ص: 658 ]  ( 10 ) ) 
يقول عز وجل : وأنا كنا معشر الجن نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث ، وما يكون فيها ، ( فمن يستمع الآن   ) فيها منا ( يجد له شهابا رصدا   ) يعني شهاب نار قد رصد له به . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : ( وأنا لمسنا السماء   ) . . . إلى قوله : ( فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا   ) كانت الجن تسمع سمع السماء; فلما بعث الله نبيه ، حرست السماء ، ومنعوا ذلك ، فتفقدت الجن ذلك من أنفسها  . 
وذكر لنا أن أشراف الجن كانوا بنصيبين ، فطلبوا ذلك ، وضربوا له حتى سقطوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدا إلى عكاظ . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا   ) . . . حتى بلغ ( فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا   ) فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس ، فقالوا : منع منا السمع ، فقال لهم : إن السماء لم تحرس قط إلا على أحد أمرين : إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة ، وإما نبي مرشد مصلح; قال : فذلك قول الله : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا   )  . 
وقوله : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا   ) يقول عز وجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن : وأنا لا ندري أعذابا أراد الله أن ينزله بأهل الأرض ، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب ( أم أراد بهم ربهم رشدا   ) يقول : أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولا مرشدا يرشدهم إلى الحق ، وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل . 
وذكر عن الكلبي في ذلك ما : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  عن الكلبي  في قوله : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا   ) أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم  .  [ ص: 659 ] 
وإنما قلنا القول الأول لأن قوله : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض   ) عقيب قوله : ( وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع   ) . . . الآية ، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه . 
				
						
						
