القول في تأويل قوله تعالى : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا    ( 8 ) فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا   ( 9 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( سيجعل الله ) للمقل من المال المقدور عليه رزقه ( بعد عسر يسرا   ) يقول : من بعد شدة رخاء ، ومن بعد ضيق سعة ، ومن بعد فقر غنى . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( سيجعل الله بعد عسر يسرا   )  [ ص: 465 ] بعد الشدة الرخاء . 
وقوله : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله   ) يقول تعالى ذكره : وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه ، وعن أمر رسل ربهم ، فتمادوا في طغيانهم وعتوهم ، ولجوا في كفرهم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد بن الحسين ،  قال : ثنا أحمد بن المفضل ،  قال : ثنا أسباط  عن  السدي ،  في قوله : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله   ) قال : غيرت وعصت . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا   ) قال : العتو هاهنا الكفر والمعصية ، عتوا : كفرا ، وعتت عن أمر ربها : تركته ولم تقبله  . 
وقيل : إنهم كانوا قوما خالفوا أمر ربهم في الطلاق ، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني  ابن عبد الرحيم البرقي ،  قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ،  قال : سمعت عمر بن سليمان  يقول في قوله : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله   ) قال : قرية عذبت في الطلاق . 
وقوله : ( فحاسبناها حسابا شديدا   ) يقول : فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابا شديدا ، يقول : حسابا استقصينا فيه عليهم ، لم نعف لهم فيه عن شيء ، ولم نتجاوز فيه عنهم . 
كما حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  قوله :  [ ص: 466 ]  ( فحاسبناها حسابا شديدا   ) قال : لم نعف عنها ، الحساب الشديد : الذي ليس فيه من العفو شيء . 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( فحاسبناها حسابا شديدا   ) يقول : لم نرحم . 
وقوله : ( وعذبناها عذابا نكرا   ) يقول : وعذبناها عذابا عظيما منكرا ، وذلك عذاب جهنم . 
وقوله : ( فذاقت وبال أمرها   ) يقول : فذاقت هذه القرية التي عتت عن أمر ربها ورسله ، عاقبة ما عملت وأتت من معاصي الله والكفر به . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد ،  قال : ثنا أحمد ،  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي ،  قوله : ( فذاقت وبال أمرها   ) قال : عقوبة أمرها . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( فذاقت وبال أمرها   ) قال : ذاقت عاقبة ما عملت من الشر ، الوبال : العاقبة . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( فذاقت وبال أمرها   ) يقول : عاقبة أمرها . 
حدثنا محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( فذاقت وبال أمرها   ) قال : جزاء أمرها . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( فذاقت وبال أمرها   ) يعني بوبال أمرها : جزاء أمرها الذي قد حل . 
وقوله : ( وكان عاقبة أمرها خسرا   ) يقول تعالى ذكره : وكان الذي أعقب  [ ص: 467 ] أمرهم ، وذلك كفرهم بالله وعصيانهم إياه خسرا ، يعني غبنا ، لأنهم باعوا نعيم الآخرة بخسيس من الدنيا قليل ، وآثروا اتباع أهواءهم على اتباع أمر الله . 
				
						
						
