القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم  وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم   ( 14 ) ) 
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله  [ ص: 423 ]  ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) يصدونكم عن سبيل الله ، ويثبطونكم عن طاعة الله ( فاحذروهم ) أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله . 
وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة ، فثبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  يحيى بن آدم   وعبيد الله بن موسى ،  عن إسرائيل ،  عن سماك  ، عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  قال : سأله رجل عن هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) قال : هؤلاء رجال أسلموا ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم; فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم; فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين ، هموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله جل ثناؤه ( إن من أزواجكم وأولادكم   ) . . الآية . 
حدثنا  هناد بن السري ،  قال : ثنا أبو الأحوص ،  عن سماك ،  عن عكرمة ،  في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) قال : كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : أين تذهب وتدعنا ؟ قال : وإذا أسلم وفقه ، قال : لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن ، فأنزل الله جل ثناؤه : ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم   ) . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) كان الرجل إذا أراد أن يهاجر من مكة  إلى المدينة تمنعه زوجته وولده ، ولم يألوا يثبطوه عن ذلك ، فقال الله : إنهم عدو لكم فاحذروهم واسمعوا وأطيعوا ، وامضوا لشأنكم ، فكان الرجل بعد ذلك إذا منع وثبط مر بأهله وأقسم ، والقسم يمين ليفعلن وليعاقبن أهله في ذلك ، فقال الله جل ثناؤه :  [ ص: 424 ]  ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم   )  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا سلمة ،  قال : ثني محمد بن إسحاق ،  عن بعض أصحابه ، عن  عطاء بن يسار  قال : نزلت سورة التغابن كلها بمكة ،  إلا هؤلاء الآيات ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) نزلت في  عوف بن مالك الأشجعي ،  كان ذا أهل وولد ، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه ، فقالوا : إلى من تدعنا ؟ فيرق ويقيم ، فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) الآية كلها بالمدينة  في عوف بن مالك  وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة   . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) قال : إنهما يحملانه على قطيعة رحمه ، وعلى معصية ربه ، فلا يستطيع مع حبه إلا أن يقطعه  . 
حدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  مثله ، إلا أنه قال : فلا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قالا ثنا سعيد ،  عن قتادة  ، قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) . . الآية ، قال : منهم من لا يأمر بطاعة الله ، ولا ينهى عن معصيته ، وكانوا يبطئون عن الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الجهاد . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال ثنا ابن ثور ،  عن معمر  ، عن قتادة ،  في قوله : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) قال : ينهون عن الإسلام ، ويبطئون عنه ، وهم من الكفار فاحذروهم  . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) . .  [ ص: 425 ] الآية ، قال : هذا في أناس من قبائل العرب كان يسلم الرجل أو النفر من الحي ، فيخرجون من عشائرهم ويدعون أزواجهم وأولادهم وآباءهم عامدين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتقوم عشائرهم وأزواجهم وأولادهم وآباؤهم ، فيناشدونهم الله أن لا يفارقوهم ، ولا يؤثروا عليهم غيرهم ، فمنهم من يرق ويرجع إليهم ، ومنهم من يمضي حتى يلحق بنبي الله صلى الله عليه وسلم . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا عثمان بن ناجية   وزيد بن حباب ،  قالا ثنا  يحيى بن واضح ،  جميعا عن الحسين بن واقد ،  قال : ثني عبد الله بن بريدة ،  عن أبيه ، قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجاء الحسن  والحسين  رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذهما فرفعهما فوضعهما في حجره ثم قال : "صدق الله ورسوله : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة   ) رأيت هذين فلم أصبر ، ثم أخذ في خطبته  " اللفظ لأبي كريب  عن زيد   . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) قال : يقول : عدوا لكم في دينكم ، فاحذروهم على دينكم  . 
حدثني محمد بن عمرو بن علي المقدمي ،  قال ثنا أشعث بن عبد الله  قال : ثنا شعبة ،  عن إسماعيل بن أبي خالد ،  في قوله : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) قال : كان الرجل يسلم ، فيلومه أهله وبنوه ، فنزلت : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) . 
وقوله : ( وإن تعفوا وتصفحوا   ) يقول : إن تعفوا أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدهم إياكم عن الإسلام والهجرة وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إياهم على ذلك ، وتغفروا لهم غير ذلك من الذنوب ( فإن الله غفور رحيم   ) لكم لمن تاب من عباده ، من ذنوبكم ( رحيم ) بكم أن يعاقبكم عليها من بعد توبتكم منها . 
				
						
						
