القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم  لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم   ( 19 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : والذين أقروا بوحدانية الله وإرساله رسله ، فصدقوا الرسل وآمنوا بما جاءوهم به من عند ربهم ، أولئك هم الصديقون .  [ ص: 191 ] 
وقوله : ( والشهداء عند ربهم   ) اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله ، والخبر عن الذين آمنوا بالله ورسله متناه عند قوله : ( الصديقون ) ، والصديقون مرفوعون بقوله : هم . ثم ابتدئ الخبر عن الشهداء فقيل : والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم . والشهداء - في قولهم - مرفوعون بقوله : ( لهم أجرهم ونورهم   ) . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون   ) قال : هذه مفصولة ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان  ، عن منصور  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق   ( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) قال : هي للشهداء خاصة . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن منصور  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق  قال : هي خاصة للشهداء . 
قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  عن أبي الضحى   ( أولئك هم الصديقون   ) ، ثم استأنف الكلام فقال : والشهداء عند ربهم . 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول : في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون   ) هذه مفصولة ، سماهم الله صديقين بأنهم آمنوا بالله وصدقوا رسله ، ثم قال ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) هذه مفصولة . 
وقال آخرون : بل قوله " والشهداء " من صفة الذين آمنوا بالله ورسله قالوا : إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله : ( والشهداء عند ربهم   ) ، ثم  [ ص: 192 ] ابتدئ الخبر عما لهم ، فقيل : لهم أجرهم ونورهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا  محمد بن المثنى  قال : ثنا محمد بن جعفر  قال : ثنا شعبة  قال : أخبرنا أبو قيس  أنه سمع هذيلا  يحدث قال : ذكروا الشهداء ، فقال عبد الله   : الرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، والرجل يقاتل للدنيا ، والرجل يقاتل للسمعة ، والرجل يقاتل للمغنم - قال شعبة  شيئا هذا معناه - والرجل يقاتل يريد وجه الله ، والرجل يموت على فراشه وهو شهيد ، وقرأ عبد الله هذه الآية : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم   )  . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن حبيب بن أبي ثابت ، وليث عن مجاهد   ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) قال : كل مؤمن شهيد ، ثم قرأها . 
حدثني صالح بن حرب أبو معمر  قال : ثنا إسماعيل بن يحيى  قال : ثنا ابن عجلان  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن  البراء بن عازب  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :  " مؤمنو أمتي شهداء " . قال : ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم   )  . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قوله : ( الصديقون والشهداء عند ربهم   ) قال : بالإيمان على أنفسهم بالله . 
وقال آخرون : الشهداء عند ربهم في هذا الموضع : النبيون الذين يشهدون على أممهم من قول الله - عز وجل - : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا   ) .  [ ص: 193 ] 
والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : الكلام والخبر عن الذين آمنوا متناه عند قوله : ( أولئك هم الصديقون   ) ، وإن قوله : ( والشهداء عند ربهم   ) خبر مبتدأ عن الشهداء . 
وإنما قلنا : إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ؛ لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر ، وأن الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد إلا بمعنى غيره ، إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدقه ، فيكون ذلك وجها ، وإن كان فيه بعض البعد ؛ لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه ، إذا أطلق بغير وصل ، فتأويل قوله : ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) إذن والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، أو هلكوا في سبيله عند ربهم لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم . 
وقوله : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم   ) يقول - تعالى ذكره - : والذين كفروا بالله وكذبوا بأدلته وحججه ، أولئك أصحاب الجحيم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					