القول في تأويل قوله تعالى : ( فلولا إن كنتم غير مدينين    ( 86 ) ترجعونها إن كنتم صادقين   ( 87 ) فأما إن كان من المقربين   ( 88 ) فروح وريحان وجنة نعيم   ( 89 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : فهلا إن كنتم أيها الناس غير مدينين . 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( مدينين ) فقال بعضهم : غير محاسبين . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله : ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) يقول : غير محاسبين  . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قوله : ( غير مدينين ) قال : محاسبين  .  [ ص: 158 ] 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) : أي محاسبين  . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، في قول الله ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) قال : كانوا يجحدون أن يدانوا بعد الموت . قال : وهو مالك يوم الدين ، يوم يدان الناس بأعمالهم . قال : يدانون : يحاسبون  . 
حدثني يعقوب  قال : ثنا  ابن علية  قال : أخبرنا أبو رجاء  ، عن الحسن  في قوله : ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) قال : غير محاسبين  . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا سليمان  قال : ثنا أبو هلال  ، عن قتادة   ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) قال غير مبعوثين ، غير محاسبين  . 
وقال آخرون : معناه : غير مبعوثين . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار  ، قال ثنا هوذة  قال : ثنا عوف  ، عن الحسن   ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) غير مبعوثين يوم القيامة ، ترجعونها إن كنتم صادقين  . 
وقال آخرون : بل معناه : غير مجزيين بأعمالكم . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : غير محاسبين فمجزيين بأعمالكم من قولهم : كما تدين تدان ، ومن قول الله ( مالك يوم الدين   ) . 
وقوله : ( ترجعونها إن كنتم صادقين   ) يقول : تردون تلك النفوس من بعد مصيرها إلى الحلاقيم إلى مستقرها من الأجساد إن كنتم صادقين ، إن كنتم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة ، وجواب قوله : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم   ) ، وجواب قوله : ( فلولا إن كنتم غير مدينين   ) جواب واحد وهو قوله : ( ترجعونها ) وذلك نحو قوله : ( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم   ) جعل جواب الجزاءين جوابا واحدا .  [ ص: 159 ] 
وبنحو الذي قلنا في قوله : ( ترجعونها ) قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال قال ابن زيد  في قوله : ( ترجعونها ) قال : لتلك النفس ( إن كنتم صادقين   ) . 
وقوله : ( فأما إن كان من المقربين فروح وريحان   ) يقول - تعالى ذكره - : فأما إن كان الميت من المقربين الذين قربهم الله من جواره في جنانه ( فروح وريحان   ) يقول : فله روح وريحان . 
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( فروح ) بفتح الراء بمعنى : فله برد . ( وريحان ) يقول : ورزق واسع في قول بعضهم . وفي قول آخرين فله راحة وريحان وقرأ ذلك  الحسن البصري   " فروح " بضم الراء ، بمعنى : أن روحه تخرج في ريحانة . 
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالفتح لإجماع الحجة من القراء عليه ، بمعنى : فله الرحمة والمغفرة ، والرزق الطيب الهني . 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فروح وريحان   ) فقال بعضهم : معنى ذلك : فراحة ومستراح . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس   ( فروح وريحان   ) يقول : راحة ومستراح  . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( فأما إن كان من المقربين فروح وريحان   ) قال : يعني بالريحان : المستريح من الدنيا ( وجنة نعيم   ) يقول : مغفرة ورحمة  . 
وقال آخرون : الروح : الراحة ، والريحان : الرزق .  [ ص: 160 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قوله : ( فروح وريحان   ) قال : راحة . وقوله وريحان قال : الرزق  . 
وقال آخرون : الروح : الفرح ، والريحان : الرزق . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا إدريس  قال : سمعت أبي ، عن أبي إسحاق  ، عن سعيد بن جبير  في قوله : ( فروح وريحان   ) قال : الروح : الفرح ، والريحان : الرزق  . 
وأما الذين قرءوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا : الروح : هي روح الإنسان ، والريحان : هو الريحان المعروف . وقالوا : معنى ذلك : أن أرواح المقربين تخرج من أبدانهم عند الموت بريحان تشمه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا المعتمر  ، عن أبيه ، عن الحسن   : " فروح وريحان " قال : تخرج روحه في ريحانة  . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن أبي جعفر  ، عن الربيع  ، عن أبي العالية   ( فأما إن كان من المقربين   ) قال : لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا ، والمقربون السابقون ، حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ، ثم يقبض . 
وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء الروح : الرحمة ، والريحان : الريحان المعروف .  [ ص: 161 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( فروح وريحان   ) قال : الروح : الرحمة ، والريحان : يتلقى به عند الموت  . 
وقال آخرون منهم : الروح : الرحمة ، والريحان : الاستراحة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول ( فروح وريحان   ) الروح : المغفرة والرحمة ، والريحان : الاستراحة  . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن أبيه ، عن منذر الثوري  ، عن الربيع بن خثيم   ( فأما إن كان من المقربين   ) قال : هذا عند الموت ( فروح وريحان   ) قال : يجاء له من الجنة  . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا أبو عامر  قال : ثنا قرة  ، عن الحسن  في قوله : ( فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم   ) قال : ذلك في الآخرة ، فقال له بعض القوم قال : أما والله إنهم ليرون عند الموت  . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا حماد  قال : ثنا قرة  ، عن الحسن  ، بمثله . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي : قول من قال : عني بالروح : الفرح والرحمة والمغفرة ، وأصله من قولهم : وجدت روحا : إذا وجد نسيما يستروح إليه من كرب الحر . وأما الريحان ، فإنه عندي الريحان الذي يتلقى به عند الموت . كما قال أبو العالية  والحسن  ، ومن قال في ذلك نحو قولهما ؛ لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه . 
وقوله : ( وجنة نعيم   ) يقول : وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد   : وجنة نعيم  قال : قد عرضت عليه  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					