[ ص: 562 ]  [ ص: 563 ]  [ ص: 564 ]  [ ص: 565 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر    ( 1 ) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر   ( 2 ) ) 
يعني - تعالى ذكره - بقوله ( اقتربت الساعة   ) : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة ، وقوله ( اقتربت ) افتعلت من القرب ، وهذا من الله - تعالى ذكره - إنذار لعباده بدنو القيامة ، وقرب فناء الدنيا ، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم ، وهم عنها في غفلة ساهون . 
وقوله ( وانشق القمر   ) يقول جل ثناؤه : وانفلق القمر ، وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة  ، قبل هجرته إلى المدينة ،  وذلك أن كفار أهل مكة  سألوه آية ، فأراهم - صلى الله عليه وسلم - انشقاق القمر  ، آية حجة على صدق قوله ، وحقيقة نبوته; فلما أراهم أعرضوا وكذبوا ، وقالوا : هذا سحر مستمر ، سحرنا محمد  ، فقال الله جل ثناؤه ( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر   ) . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار ، وقال به أهل التأويل . 
ذكر الآثار المروية بذلك ، والأخبار عمن قاله من أهل التأويل : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   " أن أنس بن مالك  حدثهم أن أهل مكة  سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر مرتين " . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا محمد بن جعفر  قال : ثنا شعبة  قال :  [ ص: 566 ] سمعت قتادة  يحدث ، عن أنس  قال : انشق القمر فرقتين . 
حدثنا  ابن المثنى  والحسن بن أبي يحيى المقدسي  قالا : ثنا أبو داود  قال : ثنا شعبة  ، عن قتادة  قال : سمعت أنسا  يقول : " انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . 
حدثني  يعقوب الدورقي  قال : ثنا أبو داود  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قال : سمعت أنسا  يقول : فذكر مثله . 
حدثنا علي بن سهل  قال : ثنا  حجاج بن محمد  ، عن شعبة  ، عن قتادة  ، عن أنس  قال : " انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين " . 
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع  قال : ثنا بشر بن المفضل  قال : ثنا  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  ، عن أنس بن مالك   " أن أهل مكة  سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء  بينهما  " . 
حدثني أبو السائب  قال : ثنا معاوية  ، عن الأعمش  ، عن إبراهيم  ، عن أبى معمر  ، عن عبد الله  قال : " انشق القمر ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى  حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اشهدوا " . 
حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل  قال : ثنا  النضر بن شميل المازني  قال : أخبرنا شعبة  ، عن سليمان  قال : سمعت إبراهيم  ، عن أبي معمر  ، عن عبد الله  قال : " تفلق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين ، فكانت فرقة على الجبل ، وفرقة من ورائه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اشهد  " . 
حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل  قال : ثنا النضر  قال : أخبرنا شعبة  ، عن سليمان  ، عن مجاهد  ، عن ابن عمر  ، مثل حديث إبراهيم  في القمر . 
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي  قال : ثني عمي يحيى بن عيسى  ، عن الأعمش  ، عن إبراهيم  ، عن رجل ، عن عبد الله  قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى  ، فانشق القمر ، فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال  [ ص: 567 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اشهدوا  " . 
حدثني محمد بن عمارة  قال : ثنا عمرو بن حماد  قال : ثنا أسباط  ، عن سماك  ، عن إبراهيم  ، عن الأسود  ، عن عبد الله  قال : " رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق " . 
حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي  قال : ثنا يحيى بن حماد  قال : ثنا أبو عوانة  ، عن المغيرة  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق  ، عن عبد الله  قال : " انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت قريش   : هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم فسلوا السفار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا جرير  ، عن مغيرة  ، عن إبراهيم  ، عن عبد الله  قال : " قد مضى انشقاق القمر " . 
حدثني أبو السائب  قال : ثنا أبو معاوية  ، عن الأعمش  ، عن مسلم  ، عن مسروق  ، قال : عبد الله   " خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم " . 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب  ، عن محمد  قال : نبئت أن ابن مسعود  كان يقول : قد انشق القمر . 
قال : أخبرنا  ابن علية  قال : أخبرنا عطاء بن السائب  ، عن  أبي عبد الرحمن السلمي  قال : " نزلنا المدائن ، فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبي ، وحضرت معه ، فخطبنا حذيفة  ، فقال : ألا إن الله يقول ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا  [ ص: 568 ] وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار ، وغدا السباق ، فقلت لأبي : أتستبق الناس غدا؟ فقال : يا بني إنك لجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال ، ثم جاءت الجمعة الأخرى ، فحضرنا ، فخطب حذيفة ، فقال : ألا إن الله تبارك وتعالى يقول ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسابق من سبق إلى الجنة "  . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا محمد بن جعفر  قال : ثنا شعبة  ، عن عطاء بن السائب  ، عن أبي عبد الرحمن  قال : " كنت مع أبي بالمدائن ، قال : فخطب أميرهم ، وكان عطاء  يروي أنه حذيفة  ، فقال في هذه الآية : ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) قد اقتربت الساعة وانشق القمر ، قد اقتربت الساعة وانشق القمر ، اليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسابق من سبق إلى الجنة ، والغاية النار ; قال : فقلت لأبي : غدا السباق ؟ قال : فأخبره "  . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا ابن فضيل  ، عن حصين  ، عن محمد بن جبير بن مطعم  ، عن أبيه ، قال : " انشق القمر ، ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة   " . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن خارجة  ، عن الحصين بن عبد الرحمن  ، عن  ابن جبير  ، عن أبيه ( وانشق القمر   ) قال : انشق ونحن بمكة   . 
حدثنا محمد بن عسكر  قال : ثنا عثمان بن صالح   وعبد الله بن عبد الحكم  قالا : ثنا بكر بن مضر  ، عن  جعفر بن ربيعة  ، عن عراك  ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، عن ابن عباس  قال : " انشق القمر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . 
حدثنا نصر بن علي  قال : ثنا عبد الأعلى  قال : ثنا  داود بن أبي هند  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قال : " انشق القمر قبل الهجرة ، أو قال : قد مضى ذاك " . 
حدثنا إسحاق بن شاهين  قال : ثنا  خالد بن عبد الله  ، عن داود  ، عن علي  ، عن ابن عباس  بنحوه .  [ ص: 569 ] 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا عبد الأعلى  قال : ثنا داود  ، عن علي  ، عن ابن عباس  أنه قال في هذه الآية ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) قال : ذاك قد مضى كان قبل الهجرة ، انشق حتى رأوا شقيه  . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) . . . إلى قوله ( سحر مستمر   ) قال : قد مضى ، كان قد انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة  ، فأعرض المشركون وقالوا : سحر مستمر . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قوله ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) قال : رأوه منشقا . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن منصور  وليث  عن مجاهد   ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) قال : انفلق القمر فلقتين ، فثبتت فلقة ، وذهبت فلقة من وراء الجبل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اشهدوا  " . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن أبي سنان  ، عن ليث  ، عن مجاهد   : " انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فصار فرقتين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبى بكر   : اشهد يا أبا بكر  فقال المشركون : سحر القمر حتى انشق " . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن أبي سنان  قال : قدم رجل المدائن فقام فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) وإن القمر قد انشق ، وقد آذنت الدنيا بفراق ، اليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسابق . من سبق إلى الجنة ، والغاية النار . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) يحدث الله في خلقه ما يشاء . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  ، عن  [ ص: 570 ] أنس  قال : سأل أهل مكة  النبي - صلى الله عليه وسلم - آية ، فانشق القمر بمكة  مرتين ، فقال ( اقتربت الساعة وانشق القمر   )  . 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله ( وانشق القمر   ) قد مضى ، كان الشق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة  ، فأعرض عنه المشركون ، وقالوا : سحر مستمر . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا سلمة  ، عن عمرو  ، عن مغيرة  ، عن إبراهيم  قال : مضى انشقاق القمر بمكة   . 
وقوله ( وإن يروا آية يعرضوا   ) يقول - تعالى ذكره - . وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوة محمد   - صلى الله عليه وسلم - ، ودلالة تدلهم على صدقه فيما جاءهم به عن ربهم ، يعرضوا عنها ، فيولوا مكذبين بها منكرين أن يكون حقا يقينا ، ويقولوا تكذيبا منهم بها ، وإنكارا لها أن تكون حقا : هذا سحر سحرنا به محمد  حين خيل إلينا أنا نرى القمر منفلقا باثنين بسحره ، وهو سحر مستمر ، يعني يقول : سحر مستمر ذاهب ، من قولهم : قد مر هذا السحر إذا ذهب . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله ( سحر مستمر   ) قال : ذاهب . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله ( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر   ) قال : إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا : إنما هذا عمل السحر  ، يوشك هذا أن يستمر ويذهب  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة   ( ويقولوا سحر مستمر   ) يقول : ذاهب .  [ ص: 571 ] 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله ( ويقولوا سحر مستمر   ) كما يقول أهل الشرك إذا كسف القمر يقولون : هذا عمل السحرة . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  قوله ( سحر مستمر   ) قال : حين انشق القمر بفلقتين : فلقة من وراء الجبل ، وذهبت فلقة أخرى ، فقال المشركون حين رأوا ذلك : سحر مستمر  . 
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة  يوجه قوله ( مستمر ) إلى أنه مستفعل من الإمرار من قولهم : قد مر الجبل : إذا صلب وقوي واشتد وأمررته أنا : إذا فتلته فتلا شديدا ، ويقول : معنى قوله ( ويقولوا سحر مستمر   ) : سحر شديد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					