القول في تأويل قوله تعالى : ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد    ( 29 ) يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد   ( 30 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجن يوم القيامة ، إذ تبرأ بعضهم من بعض : ما يغير القول الذي قلته لكم فى الدنيا ، وهو قوله ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين   ) ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها . 
كما حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  قوله ( ما يبدل القول لدي   ) قد قضيت ما أنا قاض . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا حكام  ، عن عنبسة  ، عن محمد بن عبد الرحمن  ، عن القاسم بن أبي بزة  ، عن مجاهد  في قوله ( ما يبدل القول لدي   ) قال : قد قضيت ما أنا قاض . 
وقوله ( وما أنا بظلام للعبيد   ) يقول : ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره ، ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذبه به . 
وقوله ( يوم نقول لجهنم   ) يقول : وما أنا بظلام للعبيد في ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت   ) وذلك يوم القيامة ، ويوم نقول من صلة ظلام . وقال - تعالى ذكره - لجهنم يوم القيامة : ( هل امتلأت   ) ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملؤها من الجنة والناس أجمعين . 
أما قوله ( هل من مزيد   ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما من مزيد . قالوا : وإنما يقول الله لها : هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، من تضايقها ،  [ ص: 360 ] فإذا قال لها وقد صارت كذلك : هل امتلأت ؟ قالت حينئذ : هل من مزيد : أي ما من مزيد ، لشدة امتلائها ، وتضايق بعضها إلى بعض . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد   ) قال ابن عباس   : " إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين   ) فلما بعث الناس وأحضروا ، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا ، جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا ، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها ، ولا يملؤها شيء ، قالت : ألست قد أقسمت لتملأني من الجنة والناس أجمعين؟ فوضع قدمه ، فقالت حين وضع قدمه فيها : قد قد ،  فإني قد امتلأت ، فليس لي مزيد ، ولم يكن يملؤها شيء ، حتى وجدت مس ما وضع عليها ، فتضايقت حين جعل عليها ما جعل ، فامتلأت فما فيها موضع إبرة " . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ، قوله ( وتقول هل من مزيد   ) قال : وعدها الله ليملأنها ، فقال : هلا وفيتك؟ قالت : وهل من مسلك . 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  ، يقول : أخبرنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد   ) كان ابن عباس يقول : " إن الله الملك ، قد سبقت منه كلمة ( لأملأن جهنم   ) لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها ، لا يملؤها شيء ، حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها ، وهي لا يملؤها شيء ، أتاها الرب فوضع قدمه عليها ، ثم قال لها : هل امتلأت يا جهنم؟ فتقول : قط قط ; قد امتلأت ، ملأتني من الجن والإنس فليس في مزيد ; قال ابن عباس   : ولم يكن يملؤها شيء حتى وجدت  [ ص: 361 ] مس قدم الله - تعالى ذكره - ، فتضايقت ، فما فيها موضع إبرة " . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : زدني ، إنما هو هل من مزيد ، بمعنى الاستزادة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا  يحيى بن واضح  قال : ثنا الحسين بن ثابت  ، عن أنس  قال : " يلقى في جهنم وتقول : هل من مزيد ثلاثا ، حتى يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط ، ثلاثا " . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد   ) لأنها قد امتلأت ، وهل من مزيد : هل بقي أحد؟ قال : هذان الوجهان في هذا ، والله أعلم ، قال : قالوا هذا وهذا .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو بمعنى الاستزادة ، هل من شيء أزداده؟ 
وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما حدثني  أحمد بن المقدام العجلي  قال : ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي  قال : ثنا أيوب  ، عن محمد  ، عن  أبي هريرة  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان يوم القيامة ، لم يظلم الله أحدا من خلقه شيئا ، ويلقي في النار ، تقول هل من مزيد ، حتى يضع عليها قدمه ، فهنالك يملؤها ، ويزوى بعضها إلى بعض وتقول : قط قط  " . 
حدثنا  أحمد بن المقدام  قال : ثنا المعتمر بن سليمان  قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة  ، عن أنس  قال : " ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد؟ حتى يضع الله عليها قدمه ، فتقول : قد قد ، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا ، فيسكنه فضول الجنة  " .  [ ص: 362 ] 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا  ابن علية  قال : أخبرنا أيوب   وهشام بن حسان  ، عن  محمد بن سيرين  ، عن  أبي هريرة  قال : " اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : ما لي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم; وقالت النار : ما لي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون ، فقال : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فإن الله ينشئ لها من خلقه ما شاء . وأما النار فيلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد؟ ، حتى يضع فيها قدمه ، فهناك تملأ ويزوى بعضها إلى بعض ، وتقول : قط ، قط  " . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن ثور  ، عن  محمد بن سيرين  ، عن  أبي هريرة  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " احتجت الجنة والنار ، فقالت الجنة : مالي لا يدخلني إلا فقراء الناس؟ وقالت النار : مالي لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون؟ فقال للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ; وقال للجنة : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها; فأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها ما شاء ; وأما النار فيلقون فيها وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع قدمه فيها ، هنالك تمتلئ ، وينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط ، قط  " . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  ، عن أنس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع رب العالمين قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قد ، قد ، بعزتك وكرمك ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة  " . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا عبد الصمد  قال : ثنا أبان العطار  قال : ثنا قتادة  ، عن أنس  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " لا تزال جهنم  [ ص: 363 ] تقول : هل من مزيد حتى يضع رب العالمين فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : بعزتك قط ، قط; وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنه في فضل الجنة  " . 
قال : ثنا  عمرو بن عاصم الكلابي  قال : ثنا المعتمر  ، عن أبيه ، قال : ثنا قتادة  ، عن أنس  قال : ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد فذكر نحوه " غير أنه قال : أو كما قال . 
حدثنا زياد بن أيوب  قال : ثنا  عبد الوهاب بن عطاء الخفاف  ، عن سعيد ،  عن قتادة  ، عن أنس  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : يدخلني الجبارون والمتكبرون; وقالت الجنة : يدخلني الفقراء والمساكين; فأوحى الله عز وجل إلى الجنة : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، وأوحى إلى النار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها; فأما النار فتقول : هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فيها ، فتقول : قط قط  " . ففي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد " دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي ، لأن قوله : " لا تزال " دليل على اتصال قول بعد قول . 
				
						
						
