القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون    ( 16 ) )  [ ص: 116 ] 
يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم ، هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا في الدنيا من صالحات الأعمال ، فيجازيهم به ، ويثيبهم عليه ( ونتجاوز عن سيئاتهم   ) يقول : ويصفح لهم عن سيئات أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، فلا يعاقبهم عليها ( في أصحاب الجنة   ) يقول : نفعل ذلك بهم فعلنا مثل ذلك في أصحاب الجنة وأهلها الذين هم أهلها . 
كما حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا المعتمر بن سليمان  ، عن الحكم بن أبان ،  عن الغطريف  ، عن جابر بن زيد ،  عن ابن عباس   . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الروح الأمين  ، قال : " يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، فيقتص بعضها ببعض ، فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة - قال : فدخلت على يزداد  ، فحدث بمثل هذا الحديث ، قال : قلت : فإن ذهبت الحسنة ؟ قال : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم   ) . . . الآية . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا جرير  ، عن ليث  ، عن مجاهد  قال : دعا أبو بكر  عمر  رضي الله عنهما ، فقال له : إني أوصيك بوصية أن تحفظها : إن لله في الليل حقا لا يقبله بالنهار ، وبالنهار حقا لا يقبله بالليل ، إنه ليس لأحد نافلة حتى يؤدي الفريضة ، إنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، وثقل ذلك عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل ، وخفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة ، لاتباعهم الباطل في الدنيا ، وخفته عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف . 
ألم تر أن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم ، فيقول قائل : أين يبلغ عملي من عمل هؤلاء ؟ وذلك أن الله - عز وجل - تجاوز عن أسوأ أعمالهم فلم يبده ، ألم تر أن الله ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم حتى يقول قائل : أنا خير عملا من هؤلاء ، وذلك بأن الله رد عليهم أحسن أعمالهم ، ألم تر أن الله - عز وجل - أنزل أية الشدة عند آية الرخاء ، وآية الرخاء عند آية الشدة ؛ ليكون المؤمن راغبا راهبا ، لئلا يلقي  [ ص: 117 ] بيده إلى التهلكة ، ولا يتمنى على الله أمنية يتمنى على الله فيها غير الحق . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز   ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة  والبصرة   وبعض قراء الكوفة    ( يتقبل ويتجاوز ) بضم الياء منهما ، على ما لم يسم فاعله ، ورفع ( أحسن ) . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة    ( نتقبل ونتجاوز ) بالنون وفتحها ، ونصب ( أحسن ) على معنى إخبار الله - جل ثناؤه - عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم ، وردا للكلام على قوله ( ووصينا الإنسان   ) ونحن نتقبل منهم أحسن ما عملوا ونتجاوز ، وهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون   ) يقول : وعدهم الله هذا الوعد وعد الحق لا شك فيه أنه موف لهم به ، الذي كانوا إياه في الدنيا يعدهم الله تعالى ، ونصب قوله ( وعد الصدق   ) لأنه مصدر خارج من قوله ( نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم   ) ، وإنما أخرج من هذا الكلام مصدر وعد وعدا ؛ لأن قوله ( يتقبل عنهم - ويتجاوز ) وعد من الله لهم ، فقال : وعد الصدق ، على ذلك المعنى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					