[ ص: 384 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار    ( 35 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون   : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم   ) فقوله " الذين " مردود على " من " في قوله ( من هو مسرف   ) . وتأويل الكلام : كذلك يضل الله أهل الإسراف والغلو في ضلالهم بكفرهم بالله ، واجترائهم على معاصيه ، المرتابين في أخبار رسله ، الذين يخاصمون في حججه التي أتتهم بها رسله ليدحضوها بالباطل من الحجج ( بغير سلطان أتاهم   ) يقول : بغير حجة أتتهم من عند ربهم يدفعون بها حقيقة الحجج التي أتتهم بها الرسل؛ و " الذين " إذا كان معنى الكلام ما ذكرنا في موضع نصب ردا على " من " . 
وقوله : ( كبر مقتا عند الله   ) يقول : كبر ذلك الجدال الذي يجادلونه في آيات الله مقتا عند الله ، ( وعند الذين آمنوا   ) بالله؛ وإنما نصب قوله : ( مقتا ) لما في قوله ( كبر ) من ضمير الجدال ، وهو نظير قوله : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم   ) فنصب كلمة من نصبها ، لأنه جعل في قوله : ( كبرت ) ضمير قولهم : ( اتخذ الله ولدا   ) وأما من لم يضمر ذلك فإنه رفع الكلمة . 
وقوله : ( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار   ) يقول : كما طبع الله على قلوب المسرفين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله أن يوحده ، ويصدق رسله . جبار يعني : متعظم عن اتباع الحق . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ، خلا  أبي عمرو بن العلاء  ، على : ( كل قلب متكبر   ) بإضافة القلب إلى المتكبر ، بمعنى الخبر عن أن الله طبع على قلوب المتكبرين كلها؛ ومن كان ذلك قراءته ، كان قوله " جبار " . من نعت " متكبر " . وقد روي عن ابن مسعود  أنه كان يقرأ  [ ص: 385 ] ذلك " كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار " . 
حدثني بذلك ابن يوسف  قال : ثنا القاسم  قال : ثني حجاج  ، عن هارون  أنه كذلك في حرف ابن مسعود  ، وهذا الذي ذكر عن ابن مسعود  من قراءته يحقق قراءة من قرأ ذلك بإضافة قلب إلى المتكبر ، لأن تقديم " كل " قبل القلب وتأخيرها بعده لا يغير المعنى ، بل معنى ذلك في الحالتين واحد . وقد حكي عن بعض العرب سماعا : هو يرجل شعره يوم كل جمعة ، يعني : كل يوم جمعة . وأما أبو عمرو  فقرأ ذلك بتنوين القلب وترك إضافته إلى متكبر ، وجعل المتكبر والجبار من صفة القلب . 
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بإضافة القلب إلى المتكبر ، لأن التكبر فعل الفاعل بقلبه ، كما أن القاتل إذا قتل قتيلا وإن كان قتله بيده ، فإن الفعل مضاف إليه ، وإنما القلب جارحة من جوارح المتكبر . وإن كان بها التكبر ، فإن الفعل إلى فاعله مضاف ، نظير الذي قلنا في القتل ، وذلك وإن كان كما قلنا ، فإن الأخرى غير مدفوعة ، لأن العرب لا تمنع أن تقول : بطشت يد فلان ، ورأت عيناه كذا ، وفهم قلبه ، فتضيف الأفعال إلى الجوارح ، وإن كانت في الحقيقة لأصحابها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					