القول في تأويل قوله تعالى ( ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون    ( 62 ) هذه جهنم التي كنتم توعدون   ( 63 ) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون   ( 64 ) ) 
يعني - تعالى ذكره - بقوله ( ولقد أضل منكم جبلا كثيرا   ) : ولقد صد الشيطان منكم خلقا كثيرا عن طاعتي ، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه ، واتخذوا من دوني آلهة يعبدونها . 
كما حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( ولقد أضل منكم جبلا   ) قال : خلقا  . 
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة  وبعض الكوفيين ( جبلا ) بكسر الجيم وتشديد اللام ، وكان بعض المكيين وعامة قراء الكوفة  يقرءونه ( جبلا ) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام . وكان بعض قراء البصرة  يقرؤه : ( جبلا ) بضم الجيم وتسكين الباء ، وكل هذه لغات معروفات ، غير أني لا أحب القراءة في ذلك إلا بإحدى القراءتين اللتين إحداهما بكسر الجيم وتشديد اللام ، والأخرى : ضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها عامة قراء الأمصار . 
وقوله ( أفلم تكونوا تعقلون   ) يقول : أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون ، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله ، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوكم وعدو الله ، وتعبدوا غير الله . وقوله ( هذه جهنم التي كنتم توعدون   ) يقول : هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله ، وتكذيبكم رسله ، فكنتم بها تكذبون . وقيل : إن جهنم أول باب من أبواب النار . وقوله ( اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون   ) يقول : احترقوا بها اليوم وردوها ; يعني باليوم : يوم القيامة ( بما كنتم تكفرون ) : يقول : بما كنتم تجحدونها في الدنيا ، وتكذبون بها . 
 [ ص: 544 ] 
				
						
						
