[ ص: 64 ]  [ ص: 65 ]  [ ص: 66 ]  [ ص: 67 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى : ( الم   ( 1 ) غلبت الروم   ( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون   ( 3 ) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون   ( 4 ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم   ( 5 ) ) 
قال أبو جعفر   : قد بينا فيما مضى قبل معنى قوله : ( الم ) وذكرنا ما فيه من أقوال أهل التأويل ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . 
وقوله : ( غلبت الروم في أدنى الأرض    ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( غلبت الروم   ) بضم الغين ، بمعنى أن فارس  غلبت الروم   . 
وروي عن ابن عمر  وأبي سعيد  في ذلك ما حدثنا ابن وكيع  قال : ثني أبي ، عن الحسن الجفري ،  عن سليط  قال : سمعت ابن عمر  يقرأ ( الم غلبت الروم   ) فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ،  على أي شيء غلبوا ؟ قال : على ريف الشام .  
والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره ( الم غلبت الروم   ) بضم الغين ؛ لإجماع الحجة من القراء عليه . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : غلبت فارس  الروم   ( في أدنى الأرض   ) من أرض الشام  إلى أرض فارس   ( وهم من بعد غلبهم   ) يقول : والروم  من بعد غلبة فارس  إياهم ( سيغلبون ) فارس   ( في بضع سنين لله الأمر من قبل   ) غلبتهم فارس   ( ومن بعد ) غلبتهم إياها ، يقضي في خلقه ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) يقول : ويوم يغلب الروم  فارس  يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين ، ونصرة الروم  على فارس   ( ينصر ) الله - تعالى ذكره - ( من يشاء ) من خلقه ، على من يشاء ، وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدر ،   ( وهو العزيز ) يقول : والله الشديد في انتقامه من أعدائه ، لا يمنعه من ذلك مانع ، ولا يحول بينه وبينه حائل ،  [ ص: 68 ]  ( الرحيم ) بمن تاب من خلقه وراجع طاعته أن يعذبه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا محمد بن سعيد   - أو ، سعيد الثعلبي ، الذي يقال له أبو سعد من أهل طرسوس   -  قال : ثنا أبو إسحاق الفزاري ،  عن  سفيان بن سعيد الثوري ،  عن حبيب بن أبي عمرة ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس  قال : كان المسلمون يحبون أن تغلب الروم  أهل الكتاب ، وكان المشركون يحبون أن يغلب أهل فارس ؛  لأنهم أهل أوثان ، قال : فذكروا ذلك لأبي بكر ،  فذكره أبو بكر  للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أما إنهم سيهزمون " ، قال : فذكر ذلك أبو بكر  للمشركين ، قال : فقالوا : أفنجعل بيننا وبينكم أجلا فإن غلبوا كان لك كذا وكذا ، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا ، وقال : فجعلوا بينهم وبينه أجلا خمس سنين ، قال : فمضت فلم يغلبوا ، قال : فذكر ذلك أبو بكر  للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : " أفلا جعلته دون العشر " ، قال سعيد   : والبضع ما دون العشر ، قال : فغلب الروم ،  ثم غلبت ، قال : فذلك قوله : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين   ) قال : البضع : ما دون العشر ، ( لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) قال سفيان   : فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر .  
حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري  قال : ثنا موسى بن هارون البردي  قال : ثنا  معن بن عيسى  قال : ثنا عبد الله بن عبد الرحمن ،  عن ابن شهاب ،  عن عبيد الله ،  عن ابن عباس  قال : لما نزلت ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض   ) الآية ، ناحب أبو بكر  قريشا ،  ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : إني قد ناحبتهم ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هلا احتطت ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع " . قال الجمحي   : المناحبة : المراهنة ، وذلك قبل أن يكون تحريم ذلك . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( الم غلبت الروم   ) إلى قوله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) قال : قد مضى ، كان ذلك في أهل فارس  والروم ،  وكانت فارس  قد غلبتهم ، ثم غلبت الروم  بعد ذلك ، ولقي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي العرب ، يوم التقت  [ ص: 69 ] الروم  وفارس ،  فنصر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المسلمين على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم ، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ، ونصر أهل الكتاب على العجم . قال عطية   : فسألت  أبا سعيد الخدري  عن ذلك ، فقال : التقينا مع محمد  رسول - صلى الله عليه وسلم - ومشركي العرب ، والتقت الروم  وفارس ،  فنصرنا الله على مشركي العرب ، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس ،  ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين ، وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب على المجوس ،  فذلك قوله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) . 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  في قوله : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون   ) غلبتهم فارس ،  ثم غلبت الروم   . 
حدثني أبو السائب  قال : ثنا أبو معاوية ،  عن الأعمش ،  عن مسلم ،  عن مسروق  قال : قال عبد الله  خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم   . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا عبد الأعلى  قال : ثنا داود ،  عن عامر ،  عن ابن مسعود  قال : قد مضى ( الم غلبت الروم   ) . 
حدثنا محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   ( الم غلبت الروم   ) إلى قوله : ( أكثر الناس لا يعلمون   ) قال : ذكر غلبة فارس  إياهم ، وإدالة الروم  على فارس ،  وفرح المؤمنين بنصر الروم  أهل الكتاب على فارس  من أهل الأوثان . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثني حجاج ،  عن أبي بكر بن عبد الله ،  عن عكرمة ،  أن الروم  وفارس  اقتتلوا في أدنى الأرض ، قالوا : وأدنى الأرض يومئذ أذرعات ،  بها التقوا ، فهزمت الروم ،  فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم بمكة ،  فشق ذلك عليهم ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يظهر الأميون من المجوس  على أهل الكتاب من الروم ،  ففرح الكفار بمكة  وشمتوا ، فلقوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : إنكم أهل الكتاب ، والنصارى  أهل كتاب ، ونحن أميون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس  على إخوانكم من أهل الكتاب ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن  [ ص: 70 ] عليكم ، فأنزل الله ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق  إلى الكفار ، فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا ؟ فلا تفرحوا ، ولا يقرن الله أعينكم ، فوالله ليظهرن الروم  على فارس ،  أخبرنا بذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فقام إليه أبي بن خلف ،  فقال : كذبت يا أبا فضيل ،  فقال له أبو بكر  رضي الله عنه : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : أناحبك عشر قلائص مني ، وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم  على فارس  غرمت ، وإن ظهرت فارس  على الروم  غرمت إلى ثلاث سنين ، ثم جاء أبو بكر  إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : " ما هكذا ذكرت ، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ، وماده في الأجل " . فخرج أبو بكر  فلقي أبيا ،  فقال : لعلك ندمت ، فقال : لا فقال : أزايدك في الخطر ، وأمادك في الأجل ، فاجعلها مئة قلوص لمئة قلوص إلى تسع سنين ، قال : قد فعلت . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثني حجاج ،  عن أبي بكر ،  عن عكرمة  قال : كانت في فارس  امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال ، فدعاها كسرى ،  فقال : إني أريد أن أبعث إلى الروم  جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك ، فأشيري علي أيهم أستعمل ، فقالت : هذا فلان ، وهو أروغ من ثعلب ، وأحذر من صرد ، وهذا فرخان ،  وهو أنفذ من سنان ، وهذا شهربراز ،  وهو أحلم من كذا ، فاستعمل أيهم شئت ، قال : إني قد استعملت الحليم ، فاستعمل شهربراز ،  فسار إلى الروم  بأهل فارس ،  وظهر عليهم ، فقتلهم ، وخرب مدائنهم ، وقطع زيتونهم . قال أبو بكر   : فحدثت بهذا الحديث  عطاء الخراساني  فقال : أما رأيت بلاد الشام ؟  قلت : لا قال : أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت ، والزيتون الذي قطع ، فأتيت الشام  بعد ذلك فرأيته . 
قال  عطاء الخراساني   : ثني  يحيى بن يعمر ،  أن قيصر  بعث رجلا يدعى قطمة  بجيش من الروم ،  وبعث كسرى  شهربراز ،  فالتقيا بأذرعات  وبصرى ،  وهي أدنى الشام  إليكم ، فلقيت فارس  الروم ،  فغلبتهم فارس ،  ففرح بذلك كفار قريش ،  وكرهه المسلمون ، فأنزل الله ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض   ) الآيات ، ثم ذكر مثل حديث عكرمة ،  وزاد : فلم يزل شهربراز  يطؤهم ، ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج ، ثم مات  [ ص: 71 ] كسرى ،  فبلغهم موته ، فانهزم شهربراز  وأصحابه ، وأوعبت عليهم الروم  عند ذلك ، فأتبعوهم يقتلونهم قال : وقال عكرمة  في حديثه : لما ظهرت فارس  على الروم  جلس فرخان  يشرب ، فقال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى ،  فبلغت كسرى ،  فكتب إلى شهربراز   : إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان   . فكتب إليه : أيها الملك ، إنك لن تجد مثل فرخان ،  إن له نكاية وضربا في العدو ، فلا تفعل . فكتب إليه : إن في رجال فارس  خلفا منه ، فعجل إلي برأسه ، فراجعه ، فغضب كسرى ،  فلم يجبه ، وبعث بريدا إلى أهل فارس ،  إني قد نزعت عنكم شهربراز ،  واستعملت عليكم فرخان ،  ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة : إذا ولي فرخان  الملك ، وانقاد له أخوه ، فأعطه هذه ؛ فلما قرأ شهربراز  الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ونزل عن سريره وجلس فرخان ،  ودفع الصحيفة إليه ، قال : ائتوني بشهربراز ،  فقدمه ليضرب عنقه ، قال : لا تعجل حتى أكتب وصيتي ، قال : نعم ، فدعا بالسفط ، فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال : كل هذا راجعت فيك كسرى ،  وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد ، فرد الملك ، وكتب شهربراز  إلى قيصر ملك الروم   :  إن لي إليك حاجة لا يحملها البريد ، ولا تبلغها الصحف ، فالقني ، ولا تلقني إلا في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا ، فأقبل قيصر  في خمسمائة ألف رومي ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ، مع كل واحد منهما سكين ، فدعيا ترجمانا بينهما ، فقال شهربراز :  إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن كسرى  حسدنا ، فأراد أن أقتل أخي ، فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني ، فقد خلعناه جميعا ، فنحن نقاتله معك . فقال : قد أصبتما ، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين ، فإذا جاوز اثنين فشا . قال : أجل ، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما ، فأهلك الله كسرى ،  وجاء الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ،  ففرح ومن معه . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( الم غلبت الروم   ) قال : غلبتهم فارس  على أدنى الشام ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون   ) الآية ، قال : لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم ، وعلموا أن الروم  سيظهرون على فارس ،  فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص خمس قلائص ، وأجلوا بينهم خمس سنين ،  [ ص: 72 ] فولي قمار المسلمين أبو بكر  رضي الله عنه ، وولي قمار المشركين أبي بن خلف ،  وذلك قبل أن ينهى عن القمار ، فحل الأجل ، ولم يظهر الروم  على فارس ،  وسأل المشركون قمارهم ، فذكر ذلك أصحاب النبي للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا دون العشر ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، وزايدوهم في القمار ، ومادوهم في الأجل " ، ففعلوا ذلك ، فأظهر الله الروم  على فارس  عند رأس البضع سنين من قمارهم الأول ، وكان ذلك مرجعه من الحديبية ،  ففرح المسلمون بصلحهم الذي كان ، وبظهور أهل الكتاب على المجوس ،  وكان ذلك مما شدد الله به الإسلام وهو قوله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) الآية . 
حدثني يعقوب  قال : ثنا  ابن علية ،  عن  داود بن أبي هند ،  عن الشعبي  في قوله : ( الم غلبت الروم   ) إلى قوله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون   ) قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر الناس بمكة  أن الروم  ستغلب ، قال : فنزل القرآن بذلك ، قال : وكان المسلمون يحبون ظهور الروم  على فارس ؛  لأنهم أهل الكتاب . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا المحاربي ،  عن  داود بن أبي هند ،  عن عامر ،  عن عبد الله  قال : كانت فارس  ظاهرة على الروم ،  وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس  على الروم ،  وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم  على فارس ؛  لأنهم أهل كتاب ، وهم أقرب إلى دينهم ، فلما نزلت ( الم غلبت الروم   ) إلى ( في بضع سنين   ) قالوا : يا أبا بكر ،  إن صاحبك يقول : إن الروم  تظهر على فارس  في بضع سنين ، قال : صدق . قالوا : هل لك أن نقامرك ؟ فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين ، فمضت السبع ولم يكن شيء ، ففرح المشركون بذلك ، وشق على المسلمين ، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فقال : " ما بضع سنين عندكم ؟ " قالوا : دون العشر . قال : " اذهب ، فزايدهم وازدد سنتين " قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم  على فارس ،  ففرح المسلمون بذلك ، فأنزل الله : ( الم غلبت الروم   ) إلى قوله : ( وعد الله لا يخلف الله وعده   )  . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن الأعمش  ومطر ،  عن أبي الضحى ،  عن مسروق ،  عن عبد الله  قال : مضت الروم   . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض   )  [ ص: 73 ] قال : أدنى الأرض : الشأم ،   ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون   ) قال : كانت فارس  قد غلبت الروم ،  ثم أديل الروم  على فارس ،  وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الروم  ستغلب فارس   " ، فقال المشركون : هذا مما يتخرص محمد ،  فقال أبو بكر   : تناحبونني ؟ - والمناحبة : المجاعلة - قالوا : نعم . فناحبهم أبو بكر ،  فجعل السنين أربعا أو خمسا ، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : " إن البضع فيما بين الثلاث إلى التسع ، فارجع إلى القوم ، فزد في المناحبة " ، فرجع إليهم . قالوا : فناحبهم فزاد . قال : فغلبت الروم  فارس ،  فذلك قول الله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء   ) يوم أديلت الروم  على فارس   . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا معاوية بن عمرو ،  عن  أبي إسحاق الفزاري ،  عن سفيان ،  عن حبيب بن أبي عمرة ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   ( الم غلبت الروم   ) قال : غلبت وغلبت ؛ فأما الذين قرءوا ذلك : ( غلبت الروم   ) بفتح الغين ، فإنهم قالوا : نزلت هذه الآية خبرا من الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن غلبة الروم   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا نصر بن علي  قال : ثنا المعتمر بن سليمان ،  عن أبيه ، عن  سليمان - يعني الأعمش -  عن عطية ،  عن أبي سعيد  قال : لما كان يوم ظهر الروم  على فارس ،  فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت ( الم غلبت الروم   ) على فارس   . 
حدثنا  محمد بن المثنى  قال : ثنا يحيى بن حماد  قال : ثنا أبو عوانة ،  عن سليمان ،  عن عطية ،  عن أبي سعيد  قال : لما كان يوم بدر ،  غلبت الروم  على فارس ،  ففرح المسلمون بذلك ، فأنزل الله ( الم غلبت الروم   ) إلى آخر الآية . 
حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي  قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ،  عن عطية ،  عن أبي سعيد  قال : لما كان يوم بدر ،  ظهرت الروم  على فارس ،  فأعجب ذلك المؤمنين ؛ لأنهم أهل كتاب ، فأنزل الله ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض   ) قال : كانوا قد غلبوا قبل ذلك ، ثم قرأ حتى بلغ ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله   ) . 
وقوله : ( في أدنى الأرض   ) قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدم قبل ، وأذكر  [ ص: 74 ] قول من لم يذكر قوله . 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : ( في أدنى الأرض   ) يقول : في طرف الشام   . ومعنى قوله أدنى : أقرب ، وهو أفعل من الدنو والقرب . وإنما معناه : في أدنى الأرض من فارس ،  فترك ذكر فارس  استغناء بدلالة ما ظهر من قوله : ( في أدنى الأرض   ) عليه منه . وقوله : ( وهم من بعد غلبهم   ) يقول : والروم  من بعد غلبة فارس  إياهم سيغلبون فارس   . 
وقوله : ( من بعد غلبهم   ) مصدر من قول القائل : غلبته غلبة ، فحذفت الهاء من الغلبة . وقيل : من بعد غلبهم ، ولم يقل : من بعد غلبتهم للإضافة ، كما حذفت من قوله : ( وإقام الصلاة   ) للإضافة . وإنما الكلام : وإقامة الصلاة . 
وأما قوله : ( سيغلبون ) فإن القراء أجمعين على فتح الياء فيها ، والواجب على قراءة من قرأ : ( الم غلبت الروم   ) بفتح الغين ، أن يقرأ قوله : ( سيغلبون ) بضم الياء ، فيكون معناه : وهم من بعد غلبتهم فارس  سيغلبهم المسلمون ، حتى يصح معنى الكلام ، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء ، لأن الخبر عما قد كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون ، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر . 
وقوله : ( في بضع سنين   ) قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معنى البضع فيما مضى ، وأتينا على الصحيح من أقوالهم ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . 
وقد حدثنا ابن حميد  قال : ثنا الحكم بن بشير  قال : ثنا خلاد بن أسلم الصفار ،  عن عبد الله بن عيسى ،  عن عبد الرحمن بن الحارث ،  عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو  قال : قلت له : ما البضع ؟ قال : زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع . 
وأما قوله : ( لله الأمر من قبل ومن بعد   ) فإن القاسم  حدثنا ، قال : ثنا الحسين  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قوله : ( لله الأمر من قبل   ) دولة فارس  على الروم ،   ( ومن بعد ) دولة الروم  على فارس   . 
وأما قوله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء   ) فقد ذكرنا الرواية في تأويله قبل ، وبينا معناه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					