[ ص: 160 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا    ( 14 ) وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا   ( 15 ) ) 
يقول تعالى ذكره : وكان برا بوالديه ، مسارعا في طاعتهما ومحبتهما ، غير عاق بهما ( ولم يكن جبارا عصيا   ) يقول جل ثناؤه : ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة والديه ، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا متذللا يأتمر لما أمر به ، وينتهي عما نهي عنه ، لا يعصي ربه ، ولا والديه . 
وقوله ( عصيا ) فعيل بمعنى أنه ذو عصيان ، من قول القائل : عصى فلان ربه ، فهو يعصيه عصيا . 
وقوله ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا   ) يقول : وأمان من الله يوم ولد ، من أن يناله الشيطان من السوء ، بما ينال به بني آدم ،  وذلك أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا  " . 
حدثنا بذلك ابن حميد ،  قال : ثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  سعيد بن المسيب ،  قال : ثني ابن العاص ،  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة ،  في قوله ( جبارا عصيا   ) قال : كان ابن المسيب  يذكر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة ، إلا ذا ذنب ، إلا يحيى بن زكريا  " . 
قال : وقال قتادة   : ما أذنب ، ولا هم بامرأة . 
وقوله ( ويوم يموت   ) يقول : وأمان من الله تعالى ذكره له من فتاني القبر ، ومن هول المطلع ( ويوم يبعث حيا   ) يقول : وأمان له من عذاب الله يوم القيامة ، يوم الفزع الأكبر ، من أن يروعه شيء ، أو أن يفزعه ما يفزع الخلق . 
وقد ذكر ابن عيينة  في ذلك ما حدثني أحمد بن منصور الفيروزي ،   [ ص: 161 ] قال : أخبرني صدقة بن الفضل  قال : سمعت ابن عطية  يقول : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم ، قال : فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا ، فخصه بالسلام عليه ، فقال ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا   )  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  أن الحسن  قال : إن عيسى ويحيى التقيا فقال له عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له الآخر : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له عيسى : أنت خير مني ، سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف والله فضلها  . 
				
						
						
