القول في تأويل قوله ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون    ( 8 ) ) 
قال أبو جعفر   : " الوزن " مصدر من قول القائل : " وزنت كذا وكذا أزنه وزنا وزنة " ، مثل : " وعدته أعده وعدا وعدة " . 
وهو مرفوع ب " الحق " ، و " الحق " به . 
ومعنى الكلام : والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين ، الحق ويعني ب " الحق " ، العدل . 
وكان مجاهد  يقول : " الوزن " ، في هذا الموضع ، القضاء . 
14328 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " والوزن يومئذ " ، القضاء .  [ ص: 310 ] 
وكان يقول أيضا : معنى " الحق " ، هاهنا ، العدل . 
ذكر الرواية بذلك : 
14329 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا جرير  ، عن الأعمش  ، عن مجاهد   : ( والوزن يومئذ الحق   ) ، قال : العدل . 
وقال آخرون : معنى قوله : ( والوزن يومئذ الحق   ) ، وزن الأعمال . 
ذكر من قال ذلك : 
14330 - حدثني محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي  ، قوله : ( والوزن يومئذ الحق   ) ، توزن الأعمال . 
14331 - حدثني محمد بن عمرو  قال ، حدثنا أبو عاصم  قال ، حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قول الله : ( والوزن يومئذ الحق   ) ، قال : قال  عبيد بن عمير   : يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب ، فلا يزن جناح بعوضة . 
14332 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( والوزن يومئذ الحق   ) ، قال : قال  عبيد بن عمير   : يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة . 
14333 - حدثني الحارث  قال ، حدثنا عبد العزيز  قال ، حدثنا يوسف بن صهيب  ، عن موسى  ، عن بلال بن يحيى  ، عن حذيفة  قال : صاحب الموازين يوم القيامة جبريل  عليه السلام ، قال : يا جبريل ،  زن بينهم! فرد من بعض على بعض . قال : وليس ثم ذهب ولا فضة . قال : فإن كان للظالم حسنات ، أخذ من حسناته فترد على المظلوم ، وإن لم يكن له حسنات حمل عليه من  [ ص: 311 ] سيئات صاحبه ، فيرجع الرجل وعليه مثل الجبال ، فذلك قوله : ( والوزن يومئذ الحق   ) . 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فمن ثقلت موازينه    ) . 
فقال بعضهم : معناه : فمن كثرت حسناته . 
ذكر من قال ذلك : 
14334 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا جرير  ، عن الأعمش  ، عن مجاهد   : ( فمن ثقلت موازينه   ) ، قال : حسناته . 
وقال آخرون : معنى ذلك : فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته . قالوا : وذلك هو " الميزان " الذي يعرفه الناس ، له لسان وكفتان . 
ذكر من قال ذلك : 
14335 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  قال ، قال  ابن جريج ،  قال لي  عمرو بن دينار  قوله : ( والوزن يومئذ الحق   ) ، قال : إنا نرى ميزانا وكفتين ، سمعت  عبيد بن عمير  يقول : يجعل الرجل العظيم الطويل في الميزان ، ثم لا يقوم بجناح ذباب . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندي ، القول الذي ذكرناه عن  عمرو بن دينار ،  من أن ذلك هو " الميزان " المعروف الذي يوزن به ،  [ ص: 312 ] وأن الله جل ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات ، كما قال جل ثناؤه : ( فمن ثقلت موازينه   ) ، موازين عمله الصالح ( فأولئك هم المفلحون ) ، يقول : فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح ، وأدركوا الفوز بالطلبات ، والخلود والبقاء في الجنات ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " ما وضع في الميزان شيء أثقل من حسن الخلق  " ، ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزان يوزن به الأعمال ، على ما وصفت . 
فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنه ، وجهته وقال : أو بالله حاجة إلى وزن الأشياء ، وهو العالم بمقدار كل شيء قبل خلقه إياه وبعده ، وفي كل حال ؟ أو قال : وكيف توزن الأعمال  ، والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة ، وإنما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفتها ، وكثرتها من قلتها ، وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل والخفة ، والكثرة والقلة؟ 
قيل له في قوله : " وما وجه وزن الله الأعمال ، وهو العالم بمقاديرها قبل كونها " : وزن ذلك نظير إثباته إياه في أم الكتاب واستنساخه ذلك في الكتب ، من غير حاجة به إليه ، ومن غير خوف من نسيانه ، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده ، بل ليكون ذلك حجة على خلقه ، كما قال جل ثناؤه في تنزيله : ( كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق   ) [ سورة الجاثية : 28 - 29 ] الآية . فكذلك  [ ص: 313 ] وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان ، حجة عليهم ولهم ، إما بالتقصير في طاعته والتضييع ، وإما بالتكميل والتتميم . 
وأما وجه جواز ذلك ، فإنه كما : 
14336 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي  قال ، حدثنا  جعفر بن عون  قال ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي  ، عن عبد الله بن يزيد  ، عن عبد الله بن عمرو ،  قال : يؤتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان ، فيوضع في الكفة ، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا فيها خطاياه وذنوبه . قال : ثم يخرج له كتاب مثل الأنملة ، فيها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا  عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم . قال : فتوضع في الكفة ، فترجح بخطاياه وذنوبه  .  [ ص: 314 ] 
فكذلك وزن الله أعمال خلقه  ، بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان ، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى ، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى ، احتجاجا من الله بذلك على خلقه ، كفعله بكثير منهم : من استنطاق أيديهم وأرجلهم ، استشهادا بذلك عليهم ، وما أشبه ذلك من حججه . 
ويسأل من أنكر ذلك فيقال له : إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة ، ويخفف موازين آخرين ، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق ذلك ، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان  أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته ، الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل تبعد أن ينال وجه صحته من جهة العقل؟ وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان ، خروج من حكمة ، ولا دخول في جور في قضية ، فما الذي أحال ذلك عندك من حجة عقل أو خبر؟ إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرت ، ولا سبيل إلى ذلك . وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين وضوح فساد قوله ، وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك . 
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته ، إذ كان قصدنا في هذا الكتاب : البيان عن تأويل القرآن دون غيره . ولولا ذلك لقرنا إلى ما ذكرنا نظائره ، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وفق لفهمه إن شاء الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					