القول في تأويل قوله ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان    ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره ، للذين كانوا حرموا على أنفسهم الطيبات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا حرموا ذلك بأيمان حلفوا بها ، فنهاهم عن تحريمها وقال لهم : لا يؤاخذكم ربكم باللغو في أيمانكم ، كما : - 
12356 - حدثني محمد بن سعد  قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قال ، لما نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم   " ، في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم ، قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، الآية . 
 [ ص: 524 ] فهذا يدل على ما قلنا ، من أن القوم كانوا حرموا ما حرموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها ، فنزلت هذه الآية بسببهم . 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة قرأة الحجاز  وبعض البصريين   : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   ) بتشديد"القاف " ، بمعنى : وكدتم الأيمان ورددتموها . 
وقرأه قرأة الكوفيين : ( بما عقدتم الأيمان ) 
بتخفيف"القاف " ، بمعنى : أوجبتموها على أنفسكم ، وعزمت عليها قلوبكم . 
قال أبو جعفر   : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ بتخفيف"القاف" . وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل"فعلت " في الكلام ، إلا فيما يكون فيه تردد مرة بعد مرة ، مثل قولهم : "شددت على فلان في كذا " ، إذا كرر عليه الشدة مرة بعد أخرى . فإذا أرادوا الخبر عن فعل مرة واحدة قيل : "شددت عليه " ، بالتخفيف . 
وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم : أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة ،  تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة ، وإن لم يكررها الحالف مرات . وكان معلوما بذلك أن الله مؤاخذ الحالف العاقد قلبه على حلفه ، وإن لم يكرره ولم يردده . 
وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن لتشديد"القاف " من"عقدتم " ، وجه مفهوم . 
 [ ص: 525 ] فتأويل الكلام إذا : لا يؤاخذكم الله ، أيها المؤمنون ، من أيمانكم بما لغوتم فيه ، ولكن يؤاخذكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها ، وعقدت عليه قلوبكم 
وقد بينا اليمين التي هي "لغو " والتي الله مؤاخذ العبد بها ، والتي فيها الحنث ، والتي لا حنث فيها فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع . 
وأما قوله : "بما عقدتم الأيمان " ، فإن هنادا   : 
12357 - حدثنا قال ، حدثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " ، قال : بما تعمدتم  . 
12358 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  مثله . 
12359 - حدثنا بشر  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  عن الحسن   : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " ، يقول : ما تعمدت فيه المأثم ، فعليك فيه الكفارة . 
				
						
						
