القول في تأويل قوله عز ذكره ( فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير    ( 19 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول جل ثناؤه لهؤلاء اليهود  الذين وصفنا صفتهم : قد أعذرنا إليكم ، واحتججنا عليكم برسولنا محمد  صلى الله عليه وسلم إليكم ، وأرسلناه إليكم ليبين لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم ، كيلا تقولوا : " لم يأتنا من عندك رسول يبين لنا ما نحن عليه من الضلالة" ، فقد جاءكم من عندي رسول يبشر من آمن بي وعمل بما أمرته وانتهى عما نهيته عنه ، وينذر من عصاني وخالف أمري ، وأنا القادر على كل شيء ، أقدر على عقاب من عصاني ، وثواب من أطاعني ، فاتقوا عقابي على معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولي ، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إياي وتصديقكم بشيري ونذيري ، فإني أنا الذي لا يعجزه شيء أراده ، ولا يفوته شيء طلبه .  [ ص: 159 ] 
القول في تأويل قوله عز ذكره ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم   )  
قال أبو جعفر   : وهذا أيضا من الله تعريف لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم قديم تمادي هؤلاء اليهود  في الغي ، وبعدهم عن الحق ، وسوء اختيارهم لأنفسهم ، وشدة خلافهم لأنبيائهم ، وبطء إنابتهم إلى الرشاد ، مع كثرة نعم الله عندهم ، وتتابع أياديه وآلائه عليهم مسليا بذلك نبيه محمدا  صلى الله عليه وسلم عما يحل به من علاجهم ، وينزل به من مقاساتهم في ذات الله . يقول الله له صلى الله عليه وسلم : لا تأس على ما أصابك منهم ، فإن الذهاب عن الله ، والبعد من الحق ، وما فيه لهم الحظ في الدنيا والآخرة ، من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم وتعز بما لاقى منهم أخوك موسى  صلى الله عليه وسلم واذكر إذ قال موسى  لهم : " يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم   " ، يقول : اذكروا أيادي الله عندكم ، وآلاءه قبلكم ، كما : - 
11622 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ،  عن ابن عيينة   : " اذكروا نعمة الله عليكم   " ، قال : أيادي الله عندكم وأيامه  . 
11623 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : " اذكروا نعمة الله عليكم   " يقول : عافية الله عز وجل . 
قال أبو جعفر   : وإنما اخترنا ما قلنا ، لأن الله لم يخصص من النعم شيئا ، بل عم ذلك بذكر النعم ، فذلك على العافية وغيرها ، إذ كانت"العافية" أحد معاني"النعم" .  [ ص: 160 ] 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا   )  
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ثناؤه : أن موسى  ذكر قومه من بني إسرائيل بأيام الله عندهم ، وبآلائه قبلهم ، محرضهم بذلك على اتباع أمر الله في قتال الجبارين ، فقال لهم : اذكروا نعمة الله عليكم أن فضلكم ، بأن جعل فيكم أنبياء يأتونكم بوحيه ، ويخبرونكم بأنباء الغيب ، ولم يعط ذلك غيركم في زمانكم هذا . 
فقيل : إن الأنبياء الذين ذكرهم موسى  أنهم جعلوا فيهم : هم الذين اختارهم موسى  إذ صار إلى الجبل ، وهم السبعون الذين ذكرهم الله فقال : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا   ) [ سورة الأعراف : 155 ] . 
" وجعلكم ملوكا   " سخر لكم من غيركم خدما يخدمونكم . 
وقيل : إنما قال ذلك لهم موسى ،  لأنه لم يكن في ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بني آدم   . 
ذكر من قال ذلك : 
11624 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : " وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا   " ،  [ ص: 161 ] قال : كنا نحدث أنهم أول من سخر لهم الخدم من بني آدم وملكوا . 
وقال آخرون : كل من ملك بيتا وخادما وامرأة ، فهو "ملك" كائنا من كان من الناس . 
ذكر من قال ذلك : 
11625 - حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرنا أبو هانئ   : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي  يقول : سمعت  عبد الله بن عمرو بن العاص ،  وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين؟  فقال له عبد الله   : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم! قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم! قال : فأنت من الأغنياء! فقال : إن لي خادما . قال : فأنت من الملوك . 
11626 - حدثنا الزبير بن بكار  قال : حدثنا  أبو ضمرة أنس بن عياض  قال : سمعت  زيد بن أسلم  يقول : "وجعلكم ملوكا" فلا أعلم إلا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان له بيت وخادم فهو ملك  . 
11627 - حدثنا سفيان بن وكيع  قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ،  عن  [ ص: 162 ] حماد بن سلمة ،  عن حميد ،  عن الحسن   : أنه تلا هذه الآية : "وجعلكم ملوكا" ، فقال : وهل الملك إلا مركب وخادم ودار؟ 
فقال قائلو هذه المقالة : إنما قال لهم موسى  ذلك ، لأنهم كانوا يملكون الدور والخدم ، ولهم نساء وأزواج . 
ذكر من قال ذلك : 
11628 - حدثنا سفيان بن وكيع  وابن حميد  قالا : حدثنا جرير ،  عن منصور  قال : أراه عن الحكم   : " وجعلكم ملوكا   " ، قال : كانت بنو إسرائيل إذا كان للرجل منهم بيت وامرأة وخادم ، عد ملكا . 
11629 - حدثنا هناد  قال : حدثنا  وكيع ،  عن سفيان  ح ، وحدثنا سفيان  قال : حدثنا أبي ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن الحكم   : "وجعلكم ملوكا" قال : الدار والمرأة ، والخادم قال سفيان   : أو اثنتين من الثلاثة . 
11630 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا مؤمل  قال : حدثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن رجل ،  عن ابن عباس  في قوله : " وجعلكم ملوكا   " قال : البيت والخادم . 
11631 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا الثوري ،  عن منصور ،  عن الحكم  أو غيره ، عن ابن عباس  في قوله : " وجعلكم ملوكا   " قال : الزوجة والخادم والبيت . 
11632 - حدثنا محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله : "وجعلكم ملوكا" قال : جعل لكم أزواجا وخدما وبيوتا  . 
11633 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا  علي بن محمد الطنافسي  قال : حدثنا  [ ص: 163 ] أبو معاوية ،  عن حجاج بن تميم ،  عن  ميمون بن مهران ،  عن ابن عباس  في قول الله : " وجعلكم ملوكا   " قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمى ملكا  . 
11634 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة  في قوله : "وجعلكم ملوكا" قال : ملكهم الخدم قال قتادة   : كانوا أول من ملك الخدم  . 
11635 - حدثني الحارث بن محمد  قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان  قال : حدثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن مجاهد   : " وجعلكم ملوكا   " قال : جعل لكم أزواجا وخدما وبيوتا  . 
وقال آخرون : إنما عنى بقوله : "وجعلكم ملوكا" أنهم يملكون أنفسهم وأهليهم وأموالهم . 
ذكر من قال ذلك : 
11636 - حدثني موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : "وجعلكم ملوكا" يملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					