القول في تأويل قوله ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون    ( 123 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ثناؤه : وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ، وينصركم ربكم ، "ولقد نصركم الله ببدر " على أعدائكم وأنتم يومئذ "أذلة " يعني : قليلون ، في غير منعة من الناس ، حتى أظهركم الله على عدوكم ، مع كثرة عددهم وقلة عددكم ، وأنتم اليوم أكثر عددا منكم حينئذ ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم ، "فاتقوا الله " ، يقول تعالى ذكره : فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه "لعلكم تشكرون " ، يقول : لتشكروه على ما من به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم ، ولما هداكم له من الحق الذي ضل عنه مخالفوكم ، كما : -  [ ص: 170 ] 
7733 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق   : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة   " ، يقول : وأنتم أقل عددا وأضعف قوة "فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ، أي : فاتقون ، فإنه شكر نعمتي  . 
واختلف في المعنى الذي من أجله سمي بدر "بدرا " . 
فقال بعضهم : سمي بذلك ، لأنه كان ماء لرجل يسمى "بدرا " ، فسمي باسم صاحبه . 
ذكر من قال ذلك : 
7734 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن زكريا ،  عن الشعبي  قال : كانت "بدر " لرجل يقال له "بدر " ، فسميت به  . 
7735 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا زكريا ،  عن الشعبي  أنه قال : " ولقد نصركم الله ببدر   " ، قال : كانت "بدر " بئرا لرجل يقال له "بدر " ، فسميت به  . 
وأنكر ذلك آخرون وقالوا : ذلك اسم سميت به البقعة ، كما سمي سائر البلدان بأسمائها . 
ذكر من قال ذلك : 
7736 - حدثنا الحارث بن محمد  قال : حدثنا ابن سعد  قال : حدثنا  محمد بن عمر الواقدي  قال : حدثنا منصور ،  عن أبي الأسود ،  عن زكريا ،  عن الشعبي  قال : إنما سمي "بدرا " ، لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له "بدر " وقال الحارث ،  قال ابن سعد ،  قال الواقدي   : فذكرت ذلك  لعبد الله بن جعفر  ومحمد بن صالح  فأنكراه وقالا : فلأي شيء سميت "الصفراء " ؟ ولأي شيء سميت  [ ص: 171 ]  "الحمراء " ؟ ولأي شيء سمي "رابغ " ؟ هذا ليس بشيء ، إنما هو اسم الموضع . قال : وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري  فقال : سمعت شيوخنا من بني غفار  يقولون : هو ماؤنا ومنزلنا ، وما ملكه أحد قط يقال له "بدر " ، وما هو من بلاد جهينة ،  إنما هي بلاد غفار  قال الواقدي   : فهذا المعروف عندنا . 
7737 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ  قال : أخبرنا عبيد بن سليمان  قال : سمعت الضحاك  يقول : "بدر " ، ماء عن يمين طريق مكة ،  بين مكة  والمدينة   . 
وأما قوله : "أذلة " ، فإنه جمع "ذليل " ، كما "الأعزة " جمع "عزيز " ، "والألبة " جمع "لبيب " . 
قال أبو جعفر   : وإنما سماهم الله عز وجل "أذلة " ، لقلة عددهم ، لأنهم كانوا ثلثمائة نفس وبضعة عشر ، وعدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف - على ما قد بينا فيما مضى - فجعلهم لقلة عددهم "أذلة " . 
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
7738 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون   " ، وبدر  ماء بين مكة  والمدينة ،  التقى عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون ، وكان أول قتال قاتله نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ : "أنتم اليوم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت " : فكانوا ثلثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون يومئذ ألف  ، أو راهقوا ذلك  .  [ ص: 172 ] 
7739 - حدثني محمد بن سنان  قال : حدثنا أبو بكر ،  عن عباد ،  عن الحسن  في قوله : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون   " ، قال : يقول : "وأنتم أذلة " ، قليل ، وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة  . 
7740 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع ،  نحو قول قتادة   . 
7741 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق   : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة   " ، أقل عددا وأضعف قوة  . 
قال أبو جعفر   : وأما قوله : "فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ، فإن تأويله ، كالذي قد بينت ، كما : - 
7742 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق   : " فاتقوا الله لعلكم تشكرون   " ، أي : فاتقوني ، فإنه شكر نعمتي  . 
				
						
						
