[ ص: 376 ]  ( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه  قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون   ( 19 ) وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين   ( 20 ) ) 
يقول تعالى مخبرا عما جرى ليوسف ،  عليه السلام ، حين ألقاه إخوته ، وتركوه في ذلك الجب فريدا وحيدا ، فمكث في البئر ثلاثة أيام ، فيما قالهأبو بكر بن عياش  
وقال محمد بن إسحاق   : لما ألقاه إخوته جلسوا حول البئر يومهم ذلك ، ينظرون ما يصنع وما يصنع به ، فساق الله له سيارة ، فنزلوا قريبا من تلك البئر ، وأرسلوا واردهم - وهو الذي يتطلب لهم الماء - فلما جاء تلك البئر ، وأدلى دلوه فيها ، تشبث يوسف ،  عليه السلام ، فيها ، فأخرجه واستبشر به ، وقال : ( يا بشراي هذا غلام   ) 
وقرأ بعض القراء : " يا بشرى " ، زعم  السدي  أنه اسم رجل ناداه ذلك الرجل الذي أدلى دلوه ، معلما له أنه أصاب غلاما . وهذا القول من  السدي  غريب; لأنه لم يسبق إلى تفسير هذه القراءة بهذا إلا في رواية عن ابن عباس ،  والله أعلم . وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى القراءة الأخرى ، ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه ، وحذف ياء الإضافة وهو يريدها ، كما تقول العرب : " يا نفس اصبري " ، و " يا غلام أقبل " ، بحذف حرف الإضافة ، ويجوز الكسر حينئذ والرفع ، وهذا منه ، وتفسرها القراءة الأخرى ) يا بشراي " ) والله أعلم . 
وقوله : ( وأسروه بضاعة   ) أي : وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا : اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره . قاله مجاهد ،   والسدي ،   وابن جرير   . هذا قول . 
وقال العوفي ،  عن ابن عباس   : قوله : ( وأسروه بضاعة ) يعني : إخوة يوسف ،  أسروا شأنه ، وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف  شأنه مخافة أن يقتله إخوته ، واختار البيع . فذكره إخوته لوارد القوم ، فنادى أصحابه : ( يا بشرى هذا غلام   ) يباع ، فباعه إخوته . 
وقوله : ( والله عليم بما يعملون   ) أي : يعلم ما يفعله إخوة يوسف  ومشتروه ، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه ، ولكن له حكمة وقدر سابق ، فترك ذلك ليمضى ما قدره وقضاه ، ألا له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين . 
وفي هذا تعريض لرسوله محمد   - صلى الله عليه وسلم - وإعلامه له بأنني عالم بأذى قومك ، وأنا قادر على الإنكار عليهم ، ولكني سأملي لهم ، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم ، كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته .  [ ص: 377 ] 
وقوله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة   ) يقول تعالى : وباعه إخوته بثمن قليل ، قاله مجاهد  وعكرمة   . 
والبخس : هو النقص ، كما قال تعالى : ( فلا يخاف بخسا ولا رهقا   ) [ الجن : 13 ] أي : اعتاض عنه إخوته بثمن دون قليل ، وكانوا مع ذلك فيه من الزاهدين ، أي : ليس لهم رغبة فيه ، بل لو سئلوه بلا شيء لأجابوا . 
قال ابن عباس ،  ومجاهد ،  والضحاك   : إن الضمير في قوله : ( وشروه ) عائد على إخوة يوسف   . 
وقال قتادة   : بل هو عائد على السيارة . 
والأول أقوى; لأن قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين   ) إنما أراد إخوته ، لا أولئك السيارة; لأن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة ، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه ، فيرجح من هذا أن الضمير في ) وشروه ) إنما هو لإخوته . 
وقيل : المراد بقوله : ( بخس ) الحرام . وقيل : الظلم . وهذا وإن كان كذلك ، لكن ليس هو المراد هنا; لأن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على كل حال ، وعلى كل أحد ، لأنه نبي ، ابن نبي ، ابن نبي ، ابن خليل الرحمن ، فهو الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، وإنما المراد هنا بالبخس الناقص أو الزيوف أو كلاهما ، أي : إنهم إخوته ، وقد باعوه ومع هذا بأنقص الأثمان; ولهذا قال : ( دراهم معدودة   ) فعن ابن مسعود  باعوه بعشرين درهما ، وكذا قال ابن عباس ،  ونوف البكالي ،   والسدي ،  وقتادة ،   وعطية العوفي  وزاد : اقتسموها درهمين درهمين . 
وقال مجاهد   : اثنان وعشرون درهما . 
وقال محمد بن إسحاق  وعكرمة   : أربعون درهما . 
وقال الضحاك  في قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين   ) وذلك أنهم لم يعلموا نبوته 
ومنزلته عند الله عز وجل . 
وقال مجاهد   : لما باعوه جعلوا يتبعونهم ويقولون لهم : استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر ،  فقال : من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ، وكان مسلما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					