( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا    ( 150 ) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا   ( 151 ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما   ( 152 ) ) 
 [ ص: 446 ] يتوعد [ تبارك و ] تعالى الكافرين به وبرسله من اليهود  والنصارى ،  حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان ، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض ، بمجرد التشهي والعادة ، وما ألفوا عليه آباءهم ، لا عن دليل قادهم إلى ذلك ، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية . فاليهود   - عليهم لعائن الله - آمنوا بالأنبياء إلا عيسى  ومحمدا  عليهما الصلاة والسلام ، والنصارى  آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد  صلى الله عليه وسلم ، والسامرة  لا يؤمنون بنبي بعد يوشع  خليفة موسى بن عمران  ، والمجوس  يقال : إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ،  ثم كفروا بشرعه ، فرفع من بين أظهرهم ، والله أعلم . 
والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء ،  فقد كفر بسائر الأنبياء ، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض ، فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا ، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ; ولهذا قال تعالى : ( إن الذين يكفرون بالله ورسله   ) فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله ( ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله   ) أي : في الإيمان ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا   ) أي : طريقا ومسلكا . 
ثم أخبر تعالى عنهم ، فقال : ( أولئك هم الكافرون حقا   ) أي : كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به ; لأنه ليس شرعيا ، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره ، وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانا منه ، لو نظروا حق النظر في نبوته . 
وقوله : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا   ) أي : كما استهانوا بمن كفروا به إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله ، وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه ، وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته ، كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود  في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة ، وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه ، فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله   ) [ البقرة : 61 ] في الدنيا والآخرة . 
وقوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم   ) يعني بذلك : أمة محمد  صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله ، كما قال تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله [ وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ]   ) [ البقرة : 285 ] . 
ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل ، فقال : ( أولئك سوف يؤتيهم أجورهم   ) على ما آمنوا بالله ورسله ( وكان الله غفورا رحيما   ) أي : لذنوبهم أي : إن كان لبعضهم ذنوب . 
				
						
						
