[ ص: 296 ] تفسير سورة المرسلات وهي مكية . 
قال  البخاري   : حدثنا عمر بن حفص بن غياث  ، [ حدثنا أبي ] ، حدثنا الأعمش  ، حدثني إبراهيم  ، عن الأسود  ، عن  عبد الله - هو ابن مسعود -  قال : بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، في غار بمنى  ، إذ نزلت عليه : " والمرسلات " فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها ، إذ وثبت علينا حية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اقتلوها " ، فابتدرناها فذهبت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وقيت شركم كما وقيتم شرها "  . 
وأخرجه مسلم  أيضا ، من طريق الأعمش   . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا سفيان بن عيينة  ، عن الزهري  ، عن عبيد الله  ، عن ابن عباس  ، عن أمه : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا  . 
وفي رواية مالك  ، عن الزهري  ، عن عبيد الله  ، عن ابن عباس   : أن أم الفضل  سمعته يقرأ :  " والمرسلات عرفا " ، فقالت : يا بني ، ذكرتني بقراءتك هذه السورة ، أنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب  . 
أخرجاه في الصحيحين ، من طريق مالك  ، به . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والمرسلات عرفا    ( 1 ) فالعاصفات عصفا   ( 2 ) والناشرات نشرا   ( 3 ) فالفارقات فرقا   ( 4 ) فالملقيات ذكرا   ( 5 ) عذرا أو نذرا   ( 6 ) إنما توعدون لواقع   ( 7 ) فإذا النجوم طمست   ( 8 ) وإذا السماء فرجت   ( 9 ) وإذا الجبال نسفت   ( 10 ) وإذا الرسل أقتت   ( 11 ) لأي يوم أجلت   ( 12 ) ليوم الفصل   ( 13 ) وما أدراك ما يوم الفصل   ( 14 ) ويل يومئذ للمكذبين   ( 15 ) ) 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا زكريا بن سهل المروزي  ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق  ، أخبرنا الحسين بن واقد  ، حدثنا الأعمش  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة   : ( والمرسلات عرفا   ) قال : الملائكة . 
 [ ص: 297 ] 
قال : وروي عن مسروق  وأبي الضحى  ومجاهد   - في إحدى الروايات -  والسدي   والربيع بن أنس  ، مثل ذلك . 
وروي عن أبي صالح  أنه قال : هي الرسل . وفي رواية عنه : أنها الملائكة . وهكذا قال أبو صالح  في " العاصفات " و " الناشرات " [ و " الفارقات " ] و " الملقيات " : أنها الملائكة . 
وقال الثوري  ، عن سلمة بن كهيل  ، عن مسلم البطين  ، عن أبي العبيدين  ، قال : سألت ابن مسعود  ، عن ( والمرسلات عرفا   ) قال : الريح . وكذا قال في : ( فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا   ) إنها الريح . وكذا قال ابن عباس  ومجاهد  وقتادة   وأبو صالح   - في رواية عنه - وتوقف ابن جرير  في ( والمرسلات عرفا   ) هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعرف ، أو كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضا ؟ أو : هي الرياح إذا هبت شيئا فشيئا ؟ وقطع بأن العاصفات عصفا هي الرياح ، كما قاله ابن مسعود  ومن تابعه . وممن قال ذلك في العاصفات أيضا :  علي بن أبي طالب   والسدي  ، وتوقف في ( والناشرات نشرا   ) هل هي الملائكة أو الريح ؟ كما تقدم . وعن أبي صالح   : أن الناشرات نشرا : المطر . 
والأظهر أن : " المرسلات " هي الرياح ، كما قال تعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح   ) [ الحجر : 22 ] ، وقال تعالى : ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته   ) [ الأعراف : 57 ] وهكذا العاصفات هي : الرياح ، يقال : عصفت الريح إذا هبت بتصويت ، وكذا الناشرات هي : الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء ، كما يشاء الرب عز وجل . 
وقوله : ( فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا   ) يعني : الملائكة قاله ابن مسعود  ،  وابن عباس  ، ومسروق  ، ومجاهد  ، وقتادة  ،  والربيع بن أنس  ،  والسدي  ،  والثوري   . ولا خلاف هاهنا ; فإنها تنزل بأمر الله على الرسل ، تفرق بين الحق والباطل ، والهدى والغي ، والحلال والحرام ، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق ، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره . 
وقوله : ( إنما توعدون لواقع   ) هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام ، أي : ما وعدتم به من قيام الساعة ، والنفخ في الصور ، وبعث الأجساد وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ومجازاة كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إن هذا كله ) لواقع ) أي : لكائن لا محالة . 
ثم قال : ( فإذا النجوم طمست   ) أي : ذهب ضوؤها ، كقوله : ( وإذا النجوم انكدرت   ) [ التكوير : 2 ] وكقوله : ( وإذا الكواكب انتثرت   ) [ الانفطار : 2 ] . 
( وإذا السماء فرجت   ) أي : انفطرت وانشقت ، وتدلت أرجاؤها ، ووهت أطرافها . 
( وإذا الجبال نسفت   ) أي : ذهب بها ، فلا يبقى لها عين ولا أثر ، كقوله : ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا   ) [ طه : 105 - 107 ]  [ ص: 298 ] وقال تعالى : ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا   ) [ الكهف : 47 ] 
وقوله : ( وإذا الرسل أقتت   ) قال العوفي  ، عن ابن عباس   : جمعت . وقال ابن زيد   : وهذه كقوله تعالى : ( يوم يجمع الله الرسل   ) [ المائدة : 109 ] . وقال مجاهد   : ( أقتت   ) أجلت . 
وقال الثوري  ، عن منصور  ، عن إبراهيم   : ( أقتت   ) أوعدت . وكأنه يجعلها كقوله : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون   ) [ الزمر : 69 ] . 
ثم قال : ( لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين   ) يقول تعالى : لأي يوم أجلت الرسل وأرجئ أمرها ؟ حتى تقوم الساعة ، كما قال تعالى : ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار   ) [ إبراهيم : 47 ، 48 ] وهو يوم الفصل ، كما قال ( ليوم الفصل   ) 
ثم قال معظما لشأنه : ( وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين   ) أي : ويل لهم من عذاب الله غدا . وقد قدمنا في الحديث أن " ويل " : واد في جهنم . ولا يصح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					